أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - راندا شوقى الحمامصى - تاريخ الأديان















المزيد.....



تاريخ الأديان


راندا شوقى الحمامصى

الحوار المتمدن-العدد: 2119 - 2007 / 12 / 4 - 11:30
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الهنود، البرهميّة ،أو دين ودا HINDUISM
تعد الهند من أقدم دول العالم حضارة (خمسة آلاف سنة). و يبلغ عدد سكّانها نصف بليون نسمة. و مساحتها ثلاثة ملايين و ثلاثمائة كيلو متر مربّع تقريبا أي حوالي ثلث قارة أوروبا مساحة. و في هذه الدولة الكبيرة الواسعة الأرجاء خمسة عشر لغة رسميّة (بخلاف مئات اللهجات المحليّة) و سبع ديانات أصوليّة (بخلاف عشرات المذاهب). و من أعرق الأديان الموجودة دين البرهميّة أو دين ((Vedaالذي له أصول ترجع إلى ثلاثة آلاف و خمسمائة سنة أي من زمن دخول الأوروبيين القادمين من خراسان إلى تلك المناطق قبل ثلاثة أو أربعة آلاف سنة.
و يعتبر الهندوسيون عمر ديانتهم خمسة آلاف سنة بل و يعدونها الشريعة الأبديّة (Santana Dharma).
قامت ديانتهم في الأساس على التوحيد و لهم كتابهم المقدّس ودا (Veda) أي بمعنى العلم و المقصود العلم الالهي. و قد صاغه شخص روحاني يدعى وياسا أو واياسا (Vyasa) منذ ثلاثة آلاف سنة. يحتوي الكتاب على أربعة أقسام متناولا فيها العبادات و الأدعية و المناجاة و الأحكام الدينيّة المذهبيّة و التعاليم الأخلاقيّة و أسماء الكتب الأربعة أو بالأحرى الأسفار الأربعة ل(ودا) عبارة عن:
الريجافيدا Rig-Veda
السامافيدا Sama-Veda
الياجورافيدا Yajur-Veda
الاثرافافيدا Athrava-Veda
وقد أضيفت الى الكتاب بعد ذلك ما يعادل الفصول أو الأسفار الأربعة من تفاسير البرهميين أو علماء الدين و سمي باسم برهمانا(Brahmana).
الهندوسيون أو اتباع الدين الهندوسيّ يعتقدون بثلاث تجليّات لله. أعظمها أو أقدمها برهما (Brahma) رب الكون و العلم و الحكمة، و الثاني ويشنو (Vishnu) و هو مسؤول عن الحياة و حفظ العالم ، و الثالث شيوا أو سيوا (Shiva). و هو اله التخريب و أيضا اله التجديد و البناء. و مع اتحاد الالهة الثلاثة يقال له التثليث الالهي أو (Tri-murti) أو (Divine Triad) أو (Supreme Trinity) لذلك صنعوا من الالهة تماثيل على هيئة انسان من ضمنها تمثال برهما في وضع وقوف أو جلوس و له أربعة أياد و أربعة رؤوس و في يده ( القلة) و المسبحة و الملعقة المقدّسة و نسخة من كتاب ودا.
تمثال ويشنو على هيئة شاب جميل له أربعة أياد و أحيانا يدين. و تمثال شيوا مصوّر في هيئة شاب له أربعة أيدي في وضع راقص يسمّى ناتاراجا (Natarajah).
و في مقام التخريب يسمّى مهاكالا (Mahakala) في صورة مهيبة تحيط برقبته سلسة من الجماجم البشريّة و حول جسمه ثعابين و له عين ثالثة في جبينه.
و في مقام التجديد و البناء يأخذ ماههاودا (Mahaveda) هيئة أخرى فيتّسم بالحنان و الهدوء كما أنّ اسمه (سيوا) أي باللغة السنكرتيّه، لغة الهند القديم و الآريين، بمعنى السعيد الحظ.
من الشواهد التاريخيّة ندرك أنّ في البداية لم يكن هناك اسم برهما. و بعد تلك البداية غير الواضحة جاء ذكر ويشنو و سيوا في الكتب القديمة التي كان يقرأها فقط علماء الدين للناس. و بالتدريج شغلت حيّزا مهم بل انّ العجيب أنّ ويشنو الأول ثمّ سيوا كان لهما أهميّة أكثر من برهما.و المعتقدين بكل من هذين الالهين انشعبوا بمذهبهم الخاص و معتقداتهم.
يعتقد الهندوسيون باله الشمس ميترا (Mitra) و هو رب الناريسمّى اجني (Agni) و رب الهواء و الطوفان ايندرا (Indra).و سمّوا لكل ظاهرة من ظواهر الطبيعة باسم خاص و كل صفة ذو قدرة جاء ذكرها في كتاب ( ودا )بالتدريج صنعوا لها تمثالا اسموه اله أو رب تلك القدرة ... الى أن تجاوزت عدد هذه الأرباب بالألوف و بدت الهندوسيّة كدين يعبد الأصنام.و بخلاف هذه الأصنام و قصة ويشنو و برهما و سيوا ظهر في الدين الهندوسيّ رسول باسم كريشنا الذي يعتبر الظهور الثامن لويشنو في هذا العالم الذي ظهر منذ ما يقرب من 2500 الى 3000 سنة.و بأنّه سيظهر بعد ذلك باسم ( الروح الأعظم ).
النقطة المهمّة هنا بأنّ جميع أتباع الهندوسيّة لا يعتقدون بكل هذه العقائد، فلهم مذاهب و فرق مختلفة، جميعها امتزجت بالخرافات و البدع و القرابين للالهة. الذي كانت نتيجته اعتبارهم وثنيين و غير موحّدين. و حتى أنّ بعض النقاد يعرفوهم بأنّهم عبدة الأبقار و وسم النقّاد أصحاب هذه العقيدة (عبدة البقر) لأنّها بنيت على أساس الاعتقاد (بالتواسخ) أي رجوع روح الانسان بعد وفاته الى هذا العالم لتسكن جسد حيوان و يعتقدون بأنّ الأرواح المقدّسة في هذا العالم عند حلولها تحل في البقرة و هذه البقرة تكون سببا في هداية النفوس للجنة. لذلك يذهب بعضهم في النظر الى أنّ فضلات الأبقار يعتبروها مطهّرة. و يلتصق كثير من الخرافات بهم و لهم معتقدات عجيبة عن الخلقة و تجسّد الله و وحدة الوجود و تناسخ و تواسخ الأرواح بل ان هذه المعتقدات و الخرافات حلّت محل الحقائق العرفانيّة الالهيّة.
لو نغض النظر عن كل هذا، نجد أنّ هناك كتب متعددة في هذا الدين القديم تحتوي على تعاليم أخلاقيّة مثل الصدق و التقوى ، الانقطاع و احترام حقوق الآخرين و الاجتناب عن الشهوات و المعاصي.
و اضافة على أربعة أسفار ودا التي تضمنها كتابه هناك الشروح و التفاسير أيضا و الكتب التالية أيضا لها احتراما خاصا لديهم:
1. مانواسمرتي (Manu Smarti) و هو كتاب التعاليم و القوانين ألّف هذا الكتاب و احتوى على اثنى عشر فصلا قبل الميلاد بثلاث مائة سنة. (مانو) يعني آدم و يعتقد الهندوس بأن كل دورة في العالم تتعلق بمانو واحد و نحن الآن في الدورة السابعة (لمانو) و سيأتي من بعده سبعة (مانوات) و هذا الكتاب هو كتاب مانو الأوّل الذي يعد بمنزلة سيدنا آدم.
2. ماهاب هاراتا (Mahabharata) الذي يتضمن كتاب بهاجوادجيتا (Bahagavad gita) أو يسمى جيتا (Gita). يحتوي على أشعار عرفانيّة عشقيّة لطيفة و ينسب تأليفه الى وياسا (Vyasa).
3. بورانا (Puranas) مجموعة تحتوي على ثمانية عشرقسما و يحترموه و يبجلوه جدا
4. رامايانا (Ramayana) يحتوي على أشعار في وصف راما (Rama). تجسّد ظهور احدى مراحل ويشنو. و يعتقد أن يكون قد نظّم بواسطة شاعر روحاني يدعى والميكي (Valmiki) في قرون ما قبل الميلاد.
و لهم أيضا كتب مقدسة أخرى تحتوي على التفاسير.
المذاهب الاصلاحيّة :
بخلاف المذاهب المختلفة المذكورة هناك الهة القوة و تقسّمت الى فروع و ظهر مذهبان في القرن التاسع عشر أحدها الاعتراضي و الآخر الاصلاحي و هما عباره عن:
برهما سماج (Brahma samaj) تأسس في أوائل القرن التاسع عشر في (كلكتا) بواسطة شخص يدعى راجا راموهان ري (Raja Rammohan Ray) الذي دعى الى التوحيد و منع القرابين للالهة، و قال بأنّ كتاب ودا غير معصوم. و دعا الى زوال الفوارق بين الطبقات و العداوات المذهبيه.
آريا سماج (Arya Samaj) وجد بواسطة داياناندا سارس واتى (Dayananda Sarsvati) بعد منتصف القرن التاسع عشر و انتشرت تعاليمه في غرب و شمال الهند. و عارض عبادة الأصنام و تقديم القرابين و منع الزواج قبل البلوغ و ازالة الفوارق بين الطبقات المختلفة في المجتمع و على الرغم من أنّه قدّس كتاب الودا الا أنّه أعلن بأنّ ما يتضمنه الكتاب غير صائب.
مذهبين مستقلين في الهند:
ظهر مذهب جين (Jain) من عقيدة الهندوس و بعد عشرين قرن ظهر مذهب مستقل في الهند باسم السيك (Sikh).
مذهب جين أو (Juinism) :
ظهر في القرن السادس قبل الميلاد بواسطة واهامانا ماهاويرا(Vardhamana Mahavira). و كلمة جينا تعني الفاتح و المنجي رقم أربعة و عشرين في هذا العالم. و تعاليمهم تتطابق مع بعض تعاليم الهندوسيّة. و يحذّر بشدة من ايقاع الأذى بالحيوان أو أي ذي روح و حاليا يتجاوز أتباع هذا المذهب أكثر من ثلاثة ملايين. يوجدوا في كوجارات و راجستان في غرب الهند. و لأنّ مذهب جين لم يعترف بمصونيّة كتاب ودا و لم يقبل آلهتهم و بعض طقوسهم مثل القرابين للآلهة فاعتبروه مذهبا مستقلا.
مذهب السيك أو السيخ (Sikhism):
مؤسس هذا المذهب هو بابا نانك(Guru nanak) و جورو تعني المعلم الروحاني و السيك أيضا بمعنى المتعلم أو التابع.
ظهر في أوائل القرن السادس عشر بعد أن قام بأسفار طويلة الى الأقاليم البعيدة و القريبة تلقّى تعاليمه في قرية كيرتاربور (Kertarpur) و هي حاليا تقع في شرق باكستان. و من تعاليمه الأخوّة و المساواة و نبذ التقاليد و الخرافات و عبادة الله وحده و محاولة ازالة الخلافات بين المسلمين و الهندوس وشرح كيفية توافق أحكام دين (ودا) مع الاسلام و له أتباع و مريدين .
و بعد وفاة جورونانك خلفه تسع آخرين و قادوا مجتمع السيك. بنوا مدينة امريتسار (Amritsar) و حفروا أحواضا صغيرة مقدّسة و بنوا معبدا كبيرا سمّي ب "حريم اندير" (Harimandir)الذي سمّي بعد ذلك بالمعبد الذهبي (Golden Temple) ثمّ جمعوا هذه الكتابات و التي أكثرها في صورة شعر في كتاب و اعتبروه المرشد المقدّس لهم و اسموه (Guru Granth Sahib )أي بمعنى الكتاب الأصلي الأوّل.
كان السيخ في أوائل القرن السابع عشر من زمن ( الجورو السادس )يحملون الأسلحة للدفاع عن أنفسهم و في زمن رنجيت سينج (Rangit Singh) أي في أوائل القرن التاسع عشر أسست امبراطورية السيخ في كلا من البنجاب التي امتدت من كشمير في الشرق حتى خيبر في الغرب و لكنهم انهزموا أمام الجيش الانجليزي و أصبحت تحت السيطرة الانجليزية و وقعت أماكنهم المقدّسة بين الهند و الباكستان وعندما استقلت هاتين الدولتين تمّ تقسيم الأراضي بينهما الأمر الذي أدّى الى عدم رضاهم عن ذلك.
اضافة الى الكتاب الأصلي المقدّس لدى السيخ يوجد هناك حوالي ستة آلاف قطعة من الشعر و يعتبروه كأحد من (جورو) الحي أو كتاب ناطق حي. و يحترموه جدا. و لهم كتب مقدّسة أخرى و كلها على صورة أشعار منها :
- جانم ساكي ها (Janam Sakhis)
- وارها (Vars)
- داسما جرانت (Dasma Granth)
و يعد السيخ من الموحّدين و يصفون الله بأسماء مختلفة و لهم أدعية كثيرة يتلونها في منازلهم أو معابدهم التي تسمّى جورودوارا (Gudwara).
لا قيمة للدنيا لديهم .و من شروط الوصول الى الحق هو الانقطاع و العمل الصالح. و يعتقدون بلزوم تكامل الروح و تناسخ الأرواح . و يحترزون من الفحشاء ويجتنبون المواد المخدرة و الدخان و شرب المسكرات و يجتهدون في التقوى. و كل رجل سيخي حلف اليمين لابد له أن يتمسّك بخمس علامات و يبدأ اسم كل منها بحرف (K ) و هي:
1. كشا (Kesa) و هي تعني اللحى و الشعر و الشورارب التي يجب أن لا تحلق أبدا و لا تقص.
2.كانغا (Kangha) و هي تعني مشط خشبي صغير يضعوه تحت عمامتهم.
3.كاجه (Kacch) و هي تعني سروال قصير.
4. كربان (Keripan) و هي تعني سيف طويل أو خنجر مربوط بخصرهم .
5.كارا (Kara) و هي تعني سوار من الحديد يلبس في اليد اليمنى و يؤدي السيخ الحلف اليمين في مراسيم رسميّة و بعدها يصبحون عضوا في الجامعة الكبيرة و يسمّوه "خالصا" (Khalsa)، أي يصبحوا خالصين و يلقبوا ب"سينك" (Singh) بمعنى الأسد.
و من ضمن الخمسة (K) المذكورة أهمها العمامة (Turban) و يلفظ (تربن) بكسر التاء و يلبسوها منذ صغر سنهم.
و تشعّب مذهب السيخ أيضا الى شعب و فرق صغيرة أخرى. و تشير الاحصائيّة الأخيرة بأنّ عدد أتباع السيخ في حدود خمسة عشر مليون. و أغلبهم يعيشون في ولاية البنجاب.


بوذا BUDDHISM
ولد بوذا في القرن السادس قبل الميلاد حوالي 543 ق.م. في النيبال من عائلة ساكيا. و سمّوه (سد هارثا) و معناه المتبتل. ثمّ انضم إلى اسم العائلة غوتاما (Gautama) و يقال له ساكياموني على اسم قبيلته ثمّ عرف باسم بوذا و معناه المستنير.
تزوّج و هو في التاسعة عشرة من عمره من ابنة أحد الأمراء. هجر حياة الترف و ذهب إلى شمال الهند و عاش في غاية الفقر، يتأمل و يتفكّر في الحقيقة .إلى أن نزل عليه الإلهام العظيم وهو في سن الخامسة و الثلاثين من العمر في حوالي 528 قبل الميلاد في محل يسمّى (Buddha-Gaya).و بينما كان يجلس تحت شجرة أشرق عليه نور الحقّ ينبّئه أنّ شقاء الحياة و عنادها و ضجرها منبعث من رغبات النفس و أنّ الإنسان قادر على أن يكون سيّد رغباته لا عبدا لها.
و حينئذ غادر الغابة و أخذ ينشر رسالته و يتجوّل في البلاد معلما كل من أقبل عليه و رجع مرة إلى أهله و عائلته ليبلغهم رسالته ثمّ واصل أسفاره ناشرا رسالته إلى أن توفى و هو في سن الثمانين أي في سنة 483 قبل الميلاد.
بعد وفاة بوذا اجتمع تلامذته المقرّبون و تشاوروا و كتبوا كلام بوذا و تفرّق بعضهم لتبليغ رسالة بوذا للأطراف و انتشروا في أنحاء الهند و في القرون التالية انتشر دينه في البلدان المجاورة و في القرنين الخامس و السادس الميلادي انتشر أيضا في المناطق البعيدة مثل اليابان . و له أتباع كثيرة هناك.
و بالطبع أن في خلال هذه المسيرة واجه أتباعه مقاومات شديدة و مصائب كثيرة . في الهند خاصة أقبل إلى دين بوذا الطبقات الفقيرة من الهندوسيين التي يعدونهم (نجسين) مما أغضب الطبقات الغنية الحاكمة من البرهميين و علماء الهندوسية . و قاموا على مقاومتهم. و لكن دين بوذا انتشر كثيرا رغم كل ذلك و حاليا يبلغ أتباعه حوالي ثلاث مائة مليون بوذيّ و بعضهم من أتباع كنفشيوس ومذهب شينتو (1) (Shinto) و قد ضمّن البعض بأنّ عددهم يصل إلى نصف بليون و حسب التوزيع الجغرافيّ فهم منتشرون في غرب و شرق سيلان و منهم في الهند و النيبال و بوتان و الصين و منغوليا و التبت و بورما و لاجوس و تايلاند و كامبوج و فيتنام و كوريا و اليابان. و كذلك انتشرت البوذيّة في الغرب في القرن العشرين. و حاليا منتشرة أيضا في الولايات المتحدة الأمريكيّة و كندا و خاصة مذهب زن (Zen) ما يقارب مائتي ألف بوذيّ.
تعاليم بوذا :
ظهرت الديانة البوذية في وقت اشتدّت فيه الخلافات الطبقيّة للبرهميّة و وصلت خرافات و تقاليد الهندوسيّة أوجها . قام بوذا بمقاومة كل هذه الخرافات و دعا إلى إزالة الفوارق بين الطبقات و أنهى سلطة العلماء الروحانيين و منع القرابين . و دعا إلى الرقي الروحاني عن طريق التخلّق بالأخلاق الحسنة مثل الرحمة - الشفقة - العفّة - الصدق - احترام حقوق الآخرين و منع النزاع و لو في سبيل الدفاع - تحريم القتل و الزنا، منع السرقة و الكذب و السكر و لزوم مراعاة الاعتدال في الترف حتى في الرياضة البدنيّة. و دعا إلى الانقطاع عن شئون النفس و الهوى و إلى التمسّك بالأودية الأربعة و هي:
1. الوادي الأول ، إن الحياة و عالم الوجود مليئ بالعذاب و الهموم
2. الوادي الثاني ، الآلام و الهموم ناتجة عن آمال و رغبات الإنسان .
3. الوادي الثالث ، بتحطيم قيود الشهوات و الرغبات تنتهي الآلام و الهموم.
4. الوادي الرابع ، يتحرر الإنسان من القيود الباقية و هي الرغبة في البقاء الماد يّ و غير الماديّ . و للوصول إلى مقام ( النرفانا) و هو فناء النفس و عالم التجرّد و الانقطاع يدعو إلى سلوك ( المسلك الأوسط) بين التلذذ و الزهد الخالص في الدنيا و إن لهذا المسلك ثماني شعب هي:
الآراء السليمة - الشعور الصائب - القول الحق - السلوك الحسن - الحياة الفضلى - السعي المشكور - الذكرى الصالحة - التأمل الصحيح.
و كما ذكرنا إنّ البوذيين يعتقدون في تناسخ الأرواح و يعتبرونها وسيلة لتصفية الروح إلا أنّه لو حدث أنّ سالك المسالك الثمانية تخلّص من الغرور، الكبر، و الشهوة و الحقد و الجهل فانّه يقطع سلسلة التناسخ و يحصل على الكمال الروحي.
و قد كتبت الكتب المقدّسة البوذيّة كلها بعد صعود بوذا بواسطة تلامذته في القرون التالية أو بواسطة الرهبان (Monks) لذا نجد كتبا مختلفة في المناطق. أشهر المتفق عليها من جميع البوذيين (Canon) و ينسب إلى بوذا نفسه و أصله باللغة النيباليّة .
(Tripitaka) أي بمعنى ثلاث مجموعات أو ثلاث سلاّت نظّمت في القرون الأوّليّة بعد بوذا في شمال الهند ثمّ انتشر في سيلان (سيرلانكا ) ثمّ انتقل إلى بورما و تايلاند ثمّ إلى الممالك البعيدة .كما يعرف من اسم الكتاب باحتوائه على ثلاثة أقسام تشمل القواعد و القوانين التي تخص الرهبان؛ المواعظ و بيانات بوذا عن طريق الحياة الفاضلة؛ الأخلاقيات و التعاليم و أصول العقائد الفلسفية البوذيّة.

المذاهب :
بعد وفاة بوذا انشعب دين بوذا إلى أقسام متعددة و مع انتشاره في الأقاليم البعيدة اختلفت باختلاف العقائد و السنن المتبعة لأهالي تلك المناطق و اختلطت بها. و تزامن مع ظهور السيد المسيح ظهور أصحاب مذهب ماهايانا (Mahayana) الذين اعتقدوا بأنّ تحطيم الرغبات الإنسانية و الشهوات (Enlightenment) لا يقتصر فقط الرهبان (Monkery) بل الأفراد العاديين رغم عيشهم العاديّ يستطيعون أن يصلوا إلى هذا المقام بتنفيذ وصايا و تعاليم بوذا . و أن يساعدوا الأشخاص الضعفاء أيضا المساعدة الروحيّة . لذلك سمّوا مذهبهم ( ماهايانا) أي بمعنى ( الوسيلة الكبرى) و سمّوا الطريقة القديمة و هي تراوادا(Theravada ) ب "هينايانا" (Hinayana) أي (الوسيلة الصغرى) لأنّها تحدد الطريق فقط للرهبان.
انتشر مذهب ماهايانا حتى القرن السادس بعد الميلاد في مناطق الصين و اليابان و كذلك أخذت صورا مختلفة في كل منطقة مثلا سمي في الصين (Ch’an) و في اليابان (Zen) و ظهرت شعب أخرى أيضا: الطريقة القديمة الأوّليّة للبوذيّة و هي تراوادا (Theravada) التي تعتقد أنّ الرهبان فقط يستطيعون الوصول إلى الإشراق العرفاني و انتشرت رسميّا في القرن الرابع عشر الميلادي في سيلان، بورما، تايلاند، كامبوج و لاجوس. و لكن في الصين و اليابان و بقيّة المناطق انتشرت بصورة أخرى و مذاهب مختلفة و بأسماء أخرى أيضا.
في جميع المذاهب البوذيّة و بالأخص مذهب ( ماهايانا) يضعون تمثال بوذا في معابدهم و يعبدونه و هذا ما سبّب بأن تبدو الديانة البوذيّة كعبدة الأوثان.

المذهب الإصلاحي مكتب كنفشيوس ( Confucianism):
تزامن ظهور بوذا في الهند ظهور شخص روحاني في الصين ولد في ولاية "لو" (Lu) من مقاطعة نشانج ينج ، سنة 551 ق.م.، في شرق الصين جنوب بكين كان اسمه " كونج فو تزو" (Kung-fu-tzu).
و لما كان اسم كنفشيوس يتألّف من لفظين: كونج و هو اسم القبيلة التي ينتمي إليها ، و توتس معناه الرئيس أو الفيلسوف ؛ فاسم كنفشيوس يعني رئيس كونج أو فيلسوفها أو حكيمها
عاش كنفشيوس يتيما و فقيرا ، درس الآداب القديمة و الفلسفة و الموسيقى و لكن كان كمال عقله و روحانيته ذاتيّة. تزوج في شبابه و أنجب بنتا وولدا. انزوى قليلا بعد وفاة والدته ثمّ قام بتعليم الناس و الشباب خاصة من سن 25 أو 26 . و في سن الخمسين عين رئيسا للوزراء و قاضيا في ولاية (لو) فأعدم المشاغبين من الوزراء و رجال السياسة و أدّب اللصوص و قطّاع الطرق و وضع مراقبة صارمة على التجار ليمنع الغش و الاحتكار ولكن حسّاده دسّوا بينه و بين أمير (لو ) فاضطر كنفشيوس إلى ترك هذه الولاية و أخذ ينتقل من إقليم إلى إقليم يعلّم الشبان و ينصح الولاة. ثمّ رجع إلى موطنه و بدأ بالكتابة و توفي و هو في سن الثانية و السبعين سنة 279 ق.م.
من بعده اجتمع تلامذته المقرّبين المنتخبين قاموا بجمع تأليفات و آثار أستاذهم و جمعوا المواعظ و التعاليم و نظموا الكتب الأولية الأساسية و من أشهر الكتب الموجودة حاليا هما في مجموعتين:
1. (Wuching) أو (Five Classics) و هي تشتمل على خمس كتب تضم مواضيع في "التاريخ، الآداب ، السنن، الأشعار، و الأناشيد" و من ضمنها أشعار عن تاريخ ولاية (لو) من سنة 722- 481 ق.م.
و كتاب آخر باسم (Li Chi) (Classic of Rites) عن الآداب الأشعار.
2. إضافة إلى مجموعة تحتوي على أربعة كتب من أهمها كتاب (Lun Yu) أو ما يسمى منتخبات يحتوي على محاورات و تعاليم كنفشيوس.
تعاليم كنفشيوس:
كان حكيما صينيا لم يطرح المسائل الدينية بل سعى إلى تجديد و ترويج الأخلاقيات و الآداب و الشعائر و العادات الحميدة القديمة و تحدث عن الروابط الإنسانية و الاجتماعيّة .
قال أنّ أساس الفضائل هي الأعمال الصالحة و الاستقامة في عمل الخير ، و احترام العادات و الشعائر الحميدة ، الإيمان السليم ، التعقّل و التفكّر في العمل .
إنّ فطرة الإنسان خير محض و عليه يجب أن يقوم بتربيته التربية الصحيحة للوصول إلى الكمال، التعليم الصحيح الذي يؤدي إلى التفكير الصائب ، تطهير القلب و تهذيب النفس و تحسين الأخلاق.
اهتم في إصلاح الروابط العائلية الاجتماعية، مثل الروابط التي تجمع بين الأصدقاء و الزوج و الزوجة، الأخوة ، الأم و الأب مع الأولاد. و روابط الحكومة و الرعية. و قال بأنّ الحاكم هو المثل الأعلى للناس. يجب على الرؤساء أن ينظروا إلى منافع الناس و ليس منافعهم الشخصية. و أن ينقص المصاريف الحربية و يسعى في التربية و التعليم. و الاعتدال في جميع الشؤون.
إن التعاليم الأخلاقية لكنفشيوس لم تنفذ كما ذكرها بل اعترتها الاختلافات و بعد فترة انقسم أتباعه إلى قسمين فلسفيين و وجدت عقائد أخرى في الصين خالفت هذه المبادئ مثل :
1. موئيزم (Moism) أسسه حكيما يدعى موتز (Mo-tzu) في القرن الخامس قبل الميلاد.و علّم عقائد مخالفة لتعاليم كنفشيوس.
2. المذهب التائوئي (Taoism) أسس بواسطة (Lao-the King) في القرن السادس قبل الميلاد. وقد خالف أيضا في بعض تعاليم كنفشيوس فان كانت الكنفشيوسية تدعو الناس إلى العمل و الجد و الاجتهاد فانّ التائوزية تتجه اتجاها سلبيا . فالفضيلة في رأيها هي عدم العمل و الاقتصار على التأمل و التجربة التصوفيّة و لكن رغم كل هذا انتشرت الكنفشيوسية و واجهت مقاومة من سلاطين الصين و اصطدمت و بعض الآراء السياسية و الفلسفية و قد تأثر الناس في الصين من هذه العقائد مدة 25 قرن.
و يقدر أتباع المذهب الأخلاقي الكنفشيوسي في الصين الآن بحوالي مائة أو مائتين مليون . و عدد التائوئيون (Taoists) في العالم يقدر بحوالي عشرون مليون في سنة 1980 م .

ملحق:
(1) "الشينتو" : هم غير موحدين و هي قديمة جدا في اليابان يعبدون الظواهر الطبيعية و القدرة و القوة . فقد سموا كل ظاهرة كونية (Kami) بمعنى ( اله) و اختلطت هذه الأفكار بعد ذلك بالعقائد البوذية و تعاليم كنفشيوس و أخذت لها أشكالا مختلفة.
فمنذ القدم كان إمبراطور اليابان اله من الهة الشمس و كانوا يعبدوه و كذلك بالنسبة لرئيس الكهنة إلى أن ألغيت فكرة تأليه الإمبراطور بعد الحرب العالمية الثانية . حاليا يوجد ثلاثة ملايين أتباع هذه الأفكار و العقائد التي لها رسوم و تقاليد خاصة قديمة جدا متبعة حتى الآن.

تاريخ اليهود Judaism

(من زمن سيدنا ابراهيم الى سيدنا موسى)

الساميون قوم عاشوا جنوب بلاد ما بين النهرين قبل أربعة آلاف سنة قبل الميلاد. يرجع نسبهم الى سام بن نوح . اشتغلوا بالزراعة و بني دينهم على الشرك و عبادة أرباب الأنواع.
و قبل حوالي ألفي سنة قبل ميلاد المسيح ظهر في احدى مدن جنوب بلاد ما بين النهرين (أور) سيدنا ابراهيم بالرسالة الالهيّة و هو من أحفاد سام بن نوح. و دعا الناس الى عبادة الله الأحد. و حطّم الأصنام . و كما تروي الحكايات و القصص حكم عليه بأن يلقى في النار بأمر الحاكم المقتدر نمرود، و طبقا للآية 69 سورة الأنبياء من القرآن أن خاطب الله تعالى النار بأن تكون بردا و سلاما على سيدنا ابراهيم و لم يمس من أذى النار. فأعقبها الهجرة الجبرية لسيدنا ابراهيم هو و قومه و أتابعه من العبريين الى مصر و الأراضي المقدسة و مع ابنه اسماعيل و اتجهوا الى مكة و الحجاز و ظهر من سلالة اسماعيل فيما بعد رسول الله سيدنا محمد (1)
___________________________________
(1) عرف سيدنا ابراهيم ( بأبو الأنبياء) لكونه ظهر من سلالته الرسول التي دعت الى اليهودية و الاسلام و لأنّه كان من سلالة سام فالأديان الظاهرة بعد ذلك تسمى الأديان السامية. و من ألقاب سيدنا ابراهيم ( أبو المؤمنين)، ( خليل الله)، (خليل الرحمن)، (خليل).

و حسب الآية 7 ، باب 25 من سفر التكوين المذكورة في التوراة توفي سيدنا ابراهيم و هو في سن 175 حسب عدّ تلك الأيام. و كان اسحق ابنه الثاني" الشيخ الثاني" و أصبح خليفته(1).
و بعد اسحق أصبح يعقوب " الشيخ الثالث". و لقب باسرائيل و أنجب من زوجتين (ليا) و (راحيل) و من بقية الجواري اثني عشر ابنا و هم الأجداد الأولية للأسباط الاثني عشر لبني اسرائيل لذا يقال أن سلالتهم من الأسباط.( السبط يعني طائفة أو قبيلة وأسباط جمع سبط).
عاش يعقوب في الأراضي المقدسة. قيل له يوما أن ابنه يوسف أصبح طعما للحيوانات الصحراوية في حين أن اخوته رموه في البئر . نجى يوسف عن طريق قافلة كانت تمر من هناك.و أخذوه الى مصر و بعد أن طالت عليه المصاعب و المشقات أخذه فرعون الى قصره.
و عندما عمّ القحط أرض مصر و فلسطين (الأراضي المقدسة) ساعد يوسف اخوته الذين جاءوا الى مصر لشراء الغلال و سمح لقوم بني اسرائيل أن يذهبوا الى مصر و يقيموا في مدينة جوشن (Goshan) ازداد عدد بني اسرائيل تدريجيا في مصر و أصبحوا مقتدرين لدرجة أن رمسيس الثاني خاف من اتحادهم مع أقوام في شمال مصر أن يحدثوا ثورة أو انقلاب هناك . فأسر بني اسرائيل و أجبرهم على بناء مدينتين ثم أمر أن يقتل كل المولودين الذكور من العبرانين. و في هذه الأثناء ولد في الخفاء سيدنا موسى حوالي 400 سنة بعد سيدنا ابراهيم . والده عمرام و والدته يوخابد و الاثنان من أسباط "لاوي" أخفوا مولودهم مدة ثلاثة شهور ثم اضطرت
_________________________________________________________________________________
(1) كان اسحق و اسماعيل من والدتين مختلفتين. اسماعيل ابنه الأول و الأكبر من أم مصرية خادمة تدعى ( هاجر) و اسحاق من سارة زوجة سيدنا ابراهيم.
يوخابد أن تضع المولد في سلة و وضعته في نهر النيل و أخذته آسية ابنة فرعون. و قامت بتربيته في قصر فرعون حتى أصبح بالغا و في أحد الأيام ضرب شخصا مصريا دفاعا عن أحد الأسباط أدّى الى وفاة هذا الشخص فهرب موسى من مصر و ذهب الى (مدين) و تزوج هناك مع (صفورة) ابنة شعيب أو يترون الكاهن.
و أثناء اقامته في صحراء سيناء بدت له شجرة مشتعلة بالنار و مع ذلك لم يحترق أي من أوراقها و عندما اقترب منها أوحي له بأنه رسول للرسالة.
من زمن سيدنا موسى حتى زمننا الحاضر:
و بعد أن بعث سيدنا موسى بالرسالة ذهب الى مصر و أخرج قوم بني اسرائيل من مصر و ذهبوا الى الأراضي المقدسة و بعد أن كانوا متفرقين مدة أربعون سنة عبروا صحراء شبه جزيرة سيناء و طريق نهر الأردن و منذ ذلك الحين يحتفل اليهود بعيد الفصح و هو تاريخ خروج بني اسرائيل من مصر. و في أوائل سفرهم في الشهر الثالث من خروجهم من مصر الى صحراء سيناء وصلوا الى جبل الطور أو جبل حوريب أو جبل الله و هناك أوحي الى موسى بالأحكام العشرة لقومه و هذه الأحكام:
1. أنا يهوه ربكم.
2. لا تعبد الها غيري.
3. لا تستخدم اسم الله بالباطل.
4. يوم السبت مقدس لا تعمل فيه.
5 . احفظ حقوق الوالدين.
6 .لا تقتل.
7. لا تزني.
8. لا تسرق.
9. لا تشهد شهادة الزور على الجيران.
10.لاتطمع في أموال جارك و لا في زوجته.
و عندما وصل موسى مع بني اسرائيل قرب نهر الأردن كان قد بلغ من العمر مائة و عشرون سنة و حسب ما ذكر في سفر التثنية في التوراة توفي في أرض موآب. و بقي بنو اسرائيل في الحداد مدة ثلاثين يوما.
بعد موسى حكم يوشع بن نون قوم اليهود و من بعده حكم اليهود 16 شخص من علياء القوم في مدة 450 سنة . من ضمنهم امرأة شجاعة (دبورا) و جدعون ، يفتاح، و شمشون.
و في سنة 1030 ق.م. (1040 أو 1020) قام شائول من سبط يهودا و من بعده سليمان حكموا بني اسرائيل و في عهد سليمان وصل بنو اسرائيل أوج عزّتهم.
بعد سليمان جاء ابنه رحبعام و شكّل حكومة اليهود في الجنوب و لكن من الأسباط الاثني عشر اثنان منهم (بنيامين و يهودا) انضموا مع رحبعام حفيد داود و بقية الأسباط انضموا الى يروبعام من سبط افرائيم الذي كان قائدا حربيا و أسس حكومة بني اسرائيل في الشمال التي انقرضت سنة 730 ق.م. على أيدي آشور.
دولة اليهود عاصمتها أورشليم افتتحت لأول مرة سنة 597 ق.م ‎. بواسطة بخت النصر (بنوكد نصر الثاني) و هو جعل صدقيا حاكما. الذي قام بحملته الثانية سنة 586 ق.م. و أحرق المعبد و أورشليم و أسر 70 يهوديا و رحلوهم الى بابل عاصمة الكلدان (العراق حاليا).
و بعد 50 سنة أي سنة 538 ق.م.الذي وقتها هجم كوروش الكبير على هدم الدولة الكلدانية و فتح بابل . و فك أسر اليهود و أذن لهم بالرجوع الى أورشليم. و قام اليهود تحت قيادة زكريا باعادة بناء المعبد الذي انتهى سنة 516 ق.م. من هذا التاريخ انتهى مدة 70 سنة فترة أسرهم في بابل.
في هذه المدة حكم (نحميا) و منذ ذلك الحين وكلت أمور اليهود الى (سنهدرين) أو مجلس كبير الذي كان يشكله عدد 70 فرد من علية القوم و العلماء.
من دورة نحميا و حتى هجوم الاسكندر تسمى دورة الكتاب. في هذه الفترة قام الكاتب الكبير عزراسوفر بكتابة التوراة سنة 457 ق.م. بالتعاون مع مائة أو مائة و عشرين شخصا من أتباع اليهود و في هذه الفترة أيضا كتبت الكتب و الصحائف لبعض أنبياء بني اسرائيل.
و في زمان الاسكندر افتتح أورشليم مجددا ثم و قعت حكومة اليهود في أيدي البطالسة و في زمن بطليموس فبلادف ترجمت التوراة في الاسكندرية الى اللغة اليونانية.
ثم حكمهم السلوكيين و تعرض اليهود خلال حكمهم الى كثير من الظلم. ففي أثناء هجوم آنتيوخوس (Antiochus) ملك السلوكيين على أورشليم قتل آلاف اليهود. و استمر الوضع الى القرن الثاني قبل الميلاد الى أن قام يهودا مكابي و أبوه و أخوته من عائلة ( حسمونائي) و فتحوا أورشليم و القدس و طهّروها من رجس الأصنام و محو آثار المدنيّة الرومانيّة و اليونانيّة ،مؤسس سلسلة مكابيين (Maccabees) أو حسموبنين (Hasmoneans).
و في هذه الأثناء ظهر مذهبان في اليهوديّة :
1. الفرّيسون (Pharisees) : و هم الفرقة الأغلبية مؤمنون ببقاء الروح و العقاب بعد الموت و بأنبياء بني اسرائيل و بالرسائل المنظّمة و التوراة و الروايات.
2. الصدّوقيون (Sadducees) : و هم الأقلية لم يؤمنوا بالروايات و التفاسير و بعض أنبياء بني اسرائيل و العقاب الأخروي و بقاء الروح.
كما وجدت أيضا مذاهب أخرى مثل حاسيديم أو حاسيدين (Hasideans) و أتباعه من الذين زهدوا الدنيا من اليهود.
و في القرن الثامن الميلادي وجد مذهب آخر باسم قرائيم (Qaraism) أتباعه كانوا يؤمنون بأحكام التوراة و لم يؤمنوا بكتاب تلمود (Talmud) الذي يحتوي على الأحكام الفرعية و الروايات . و خالفوا فرقة ربّانيم أو ربّانين (Rabbinic) الذين كانوا الأغلبية منذ القرن الأول الميلادي و كانوا يؤمنون بالتلمود.
و في سنة 63 قبل الميلاد فتح بومبي (Pompey) القنصل الرومي مدينة أورشليم و وقع اليهود تحت سلطة الروم.
و كان ظهور السيد المسيح و يحي المعمدان و استشهادهما في زمن هيروديس الحاكم الروميّ.
بعد فترة من الزمن عندما غضب العبرانيون من مظالم الروم قاموا ضدهم و استرجعوا أورشليم و لكن امبراطور الروم تيتوس (Titus) حاصرهم في سنة 70م. و بعد مدة طويلة عندما استولى مرض الطاعون و القحط على قوم اليهود هجم على أورشليم ( بيت المقدس) و دمّر المعبد و حرق المدينة و أسر اليهود، باع بعضهم و جعل البعض الآخر طعما للحيوانات في ميادين الروم.
منذ ذلك الوقت لم يسترد اليهود قوّتهم و هاجروا بالتدريج الى ايران و بين النهرين و شمال افريقيا ثمّ الى أوروبا و طول التاريخ كانوا معرّضين للقتل العام .كما حدث في أوروبا و بسببهم اندلعت الحرب مع الصلييبين في مقاومتهم للمسيحية.
و في سنة 1350م. عندما انتشر مرض الطاعون في أوروبا اتّهموا اليهود بأنّهم سبب انتشار هذا المرض و تعرّضوا للقتل و العذاب من قبل المسيحيين.
بعد الثورة الفرنسيّة نال اليهود قدرا بسيطا من الحرية و الراحة و لكن في مناطق شرق أوروبا، مثل تشيكوسلوفاكيا و المجر و يوغسلافيا و رومانيا و بلغاريا و قسما من روسيا، كانوا معرّضين للقتل و استمّر الحال حتى أواسط القرن التاسع عشر عندما استقرت أوضاع أوروبا قليلا و حصلوا على ثروة ( و التي لم تدم لهم طويلا). و بعد مرور قرن من الزمان و أثناء الحرب العالميّة الثانية قتل ما لا يقل عن ستة ملايين يهوديّ بواسطة القوى الألمانيّة و الحروب النازيّة بأبشع الطرق.
وفي سنة 1948م. برزت حكومة اسرائيل في الأراضي المقدّسة (فلسطين) بين دول لبنان، سورية، الأردن و مصر. و التي بسببها نشبت عدة حروب بين اسرائيل و العرب.
و حاليا يوجد حوالي سبعة عشر مليون يهوديّ منهم سبعة سبعة ملايين و نصف المليون في أمريكا و ثلاثة ملايين و نصف المليون في اسرائيل و البقية موزّعون في أوروبا و مناطق مختلفة من العالم.
الكتاب المقدّس لليهود هو كتاب العهد العتيق و يشتمل على التوراة و أربعة و ثلاثون رسالة. التوراة و تشتمل على خمس أسفار تحت أسماء: التكوين- الخروج - لاوبين - الأعداد - التثنية. تحتوي على حكايات عن خلق الكون و الانسان و سلسلة الأنبياء من آدم حتى سيّدنا موسى و كيفية خروج بني اسرائيل من مصر حتى وصولهم ساحل نهر الأردن و نزول الأحكام الالهية.
أمّا بشأن الرسائل المرفقة رغم أن مؤلفها الحقيقي لم يعرف يقينا و لكن أكثرها ينسب الى أنبياء بني اسرائيل و تحتوي على النصائح و النبؤات و تاريخ الأيام.
و كان عدد أنبياء بني اسرائيل المروجين لشريعة موسى ثمانية و أربعون نبيا أوّلهم يوشع و آخرهم ملاكي. و من الثمانية و الأربعين نبي أربعة منهم ذو أهميّة و مقام عظيم و هم : أرميا - أشعيا - حزقيال - دانيال.

دين الزردشت

في القرن الثامن قبل الميلاد حوالي سيعمائة و خمسون سنة بعد سيدنا موسى بعث حضرت زردشت في آذربايجان ايران بالرسالة الالهية و دعا الناس الى عبادة الله وحده و الى الأخلاق و الآداب الروحانية.
زردشت هو ابن بورشسب يصل نسبهم الى كيومرث من ملوك بيشداد بعد خمسة و أربعين نسلا.قضى عشر سنوات في جبال سبلان في العبادة و التوجّه الى الله. و بعث بالرسالة و هو في سن الثلاثين. و لكن بقي أمره في الخفاء مدة عشر سنوات لم يعرف أحدا عنه سوى ابن عمه الذي كان مؤمنا به. الى أن هاجر الى بلخ و بلّغ أمره الى ملك كيان كشتاسب و آمن جمع كثير به. من بعد ذلك انتشر أمره الى أن استشهد و هو في سن السابعة و السبعين عندما كان مشغولا بالعبادة عند بوتقة من النار. كتابه السماويّ يسمّى (أوستا) و يشتمل على واحد و عشرين بابا و لكن الموجود حاليا خمسة أبواب بأسماء: يسنا - يسبرد - نديداد - يشت ها - حزده أوستا.
الديانة الزردشتيّة مبنيّة على أساس التوحيد و على أصول أخلاقيّة ثلاثة : القول الحسن - الفعل الحسن - السلوك الحسن .يعتقدون بالمعاد و الصراط و الجنة و النار. و يؤمنون بأنّ روح الانسان تعاقب أو تثاب بعد موته حسب أعماله. لهم صلاة و عبادات.
قديما كانوا يدفنون موتاهم في الهواء الطلق على أعلى قمم الجبال و لكن في ايران منذ زمن رضا شاه بهلوي دفنوا موتاهم في المدن.
يحترمون العناصر الأربعة (الماء، التراب، الهواء، النار) و لكنّهم لا يعبدونها بل انّ عبادة أي شيء سوى الله وحده تعدّ شركا و كفرا لديهم .
و عندما انقرضت سلسلة (كيان) نتيجة لهجوم الاسكندر و في زمان السلوكيين و الاشكانيين ظلّت الديانة الزردشتيّة لعدة قرون ضعيفة الانتشار. لأنّ السلوكيين و الاشكانيين كانوا متمسكين بالآداب و المعتقدات اليونانيّة .
و لكن بعد ظهور اردشير بايكان استردّت شريعة زردشت قوّتها و أصبحت هي الشريعة الرسميّة في ايران . و ظلّت في أوج قدرتها طوال دورة الساسانيين في ايران . و حاربوا اليهود و المسيحيين و الأرمن في ايران. الى أن ظهر الاسلام في شبه الجزيرة العربية.
أرسل سيدنا محمد الى سلطان ايران خسرو برويز و دعاه الى شريعة الاسلام و الايمان بالله. و لكن الملك الساسانيّ المغرور مزّق رسالة الرسول و لم يأبه للدعوة الالهيّة . الى أن هاجم الممسلمون ايران في عهد أبي بكر. و في عصر عمر فتحوا ايران و دخل الاسلام و أصبح دين الاسلام الدين الرسمي لايران.
كان المسلمون في البداية يؤمنون بأنّ الزردشتيين من أهل الكتاب و أخذوا منهم الجزية (1). وبعد ذلك اعتبروهم مشركين و قتلوهم و أحرقوا أماكنهم الخاصة للعبادة و كان هذا سببا في هجرة جماعة من الزردشتيين القادرين الى الهند و مجموعة أخرى انزوا في أماكن أخرى و كثير منهم أسلموا.
__________________________
(1) الجزية : مبلغ سنويا يدفعه كل فرد غير مسلم يكون تابعا للحكومة الاسلامية و في الفقه الشيعيّ دفع الجزية مشروط بأن يكون غير المسلم هذا من أهل الكتاب مثل يهودي أو مسيحي و الاّ عقابه يكون مختلفا.
و في خضم هذه الأحداث اتلفت الكتب القديمة في ايران، اتلفت أيضا الآثار الأدبيّة و الدينية الزردشتيّة و من ثم ضعف دين زردشت و أصبح الزردشتيون ذليلين، ضعفاء. استمر هذا حتى زمان القاجار و فيه نالوا قسطا من الحرية. عندما عقد الزردشتيون في الهند مجلسا و تعهّدوا بارسال مبالغ لايران. و لكن هذه الحرية كانت ضعيفة جدا ليست بدرجة أن يجلس الزردشتي أمام المسلم. فعلى سبيل المثال كان الزردشتي مجبر عند سيره في الطرقات لو التقى بمسلم يمشي كان عليه أن ينزل من على ظهر حماره و يترجّل احتراما للمسلم.
بعد الثورة المشروطة استعاد الزردشتيون جزءا من حرّيتهم المسلوبة حيث اعتبروا أقلية مذهبية و أرسلوا مندوبا عنهم يمثّلهم في مجلس الشورى المركزي الزردشتي في العالم الذي يطلق عليه اسم (بارسيين). يقدر عددهم في سنة 1980م. حوالي مائة و سبعون ألفا موزّعين في عشرة مناطق الأغلبية في الهند و البقية في باكستان و ايران و مناطق أخرى.
باتت اليوم عقائدهم مختلطة بالخرافات و الأفكار القديمة حيث لا مجال لأحد أن يقبل على الدين الزردشتي حتى هم أنفسهم لا يقومون بتبليغ أمرهم.
تغلب عليهم صفة الاقتصاد في كافة تصرّفاتهم و مثل بقية أهل العالم يهتمون بأمور الدنيا و كسب الأموال أكثر من الاهتمام بأمورهم الروحانيّة.

المسيحيّة {Christianity }
في القرن الخامس عشر من ظهور سيدنا موسى عرف بين زهّاد اليهود، قرب تهر الأردن، شخص عظيم يدعى يحي بن زكريا الذي اشتهر بعد ذلك بيحي المعمدان (John the Baptist). الذي كان يعمّد الناس من الذنوب و يبشرهم بقرب ظهور موعود اليهود و بعد فترة حبس و استشهد بأمر هيروديس آنيتباس (Herood Antipas) "ابن هيروديس الكبير" حاكم الروم. و قد تزامن مع ظهور يحي المعمدان اكتمال حمل السيدة مريم العذراء بموعود اليهود السيد المسيح، و ولد في بيت لحم في حين لم يكن له أبا جسمانيا و الناس كانوا يعرفون فقط بأن ّ السيدة مريم خطيبة يوسف النجّار الذي كان يقيم في الناصرة. و كانت جماعة من المجوسيين يبحثون عن المولود (المسيح) ليأخذوه و يسلّموه لهيروديس الكبير.
و بعد أن أمر هيروديس أن يقتلوا كل الأطفال الذين تقل أعمارهم عن سنتين اضطرت السيدة مريم أن تحمل ابنها و معها يوسف النجار و هربوا الى مصر و بعد موت هيروديس رجعت الى فلسطين و سكنت في مدينة الناصرة الواقعة في شمال أورشليم. و عندما بلغ السيد المسيح سن الثلاثين ذهب الى نهر الأردن و تعمّد عند يحي مبشره و بعث بالرسالة الالهيّة .
سمّي المؤمنون الأوائل للسيد المسيح بالحواريين. يقال أن عددهم اثني عشر حواريا أوّلهم شمعون أو بطرس الصيّاد. و قد كان الحواريون جميعهم مرافقين للسيد المسيح و حفظوا أحكامه و تعاليم حضرته و طبقوها عمليا.الاّ أنّ انتشار تعاليم المسيح كانت سببا كافيا في أن يفتي أعظم علماء اليهود و بموافقة بيلاطس (Potius Pilate) حاكم الروم بقتل المسيح و ذلك بعد مضي ثلاث سنوات على بعثة حضرته فصلب المسيح في عيد الفصح بأورشليم (بيت المقدس) .
بعد استشهاد المسيح كان عدد المؤمنين مائة و عشرين شخصا قاموا بالأسفار التبليغية نتيجة تشويق مريم المجدلية و انتشروا في البلدان المختلفة ليهدوا الناس الى الشريعة الالهية و لاقوا في سبيل ذلك المصاعب و المتاعب و تعرّض أغلبهم للاستشهاد.
و نستطيع أن نسمي الثلاث قرون الأولى للمسيحيّة (بدورة المظلوميّة) لأنّ المسيحيين خلال ثلاثة قرون قتلوا و نهبت أموالهم و نالوا أبشع أنواع التعذيب من قبل الروم. و في نفس الفترة صدرت ضدهم عشر مرات حكم القتل العام بأمر امبراطور الروم. الى أن آمن امبراطور الروم قسطنطين الكبير في أوائل القرن الرابع الميلادي. فعرفت حينئذ المسيحيّة كديانة رسمية و انتشرت انتشارا سريعا و أصبحت الدين الرسمي في أقاليم أوروبا في القرون التالية . ثمّ في بقية المناطق ، لذا سميّت هذه الفترة بفترة الاستقلال و الرسميّة.
في القرن الحادي عشر الميلادي ظهر أول تشعّب في الدين المسيحيّ حيث انفصلت كنائس الشرق و مركزها في القسطنطينية (اسلامبول) عن كنائس الغرب و مركزها في الروم تحت رئاسة البابا.
سمّيت كنائس الشرق بالمذهب الارثوذوكس أي العقيدة الصحيحة و المقبولة للعامّة. و سمّيت كنائس الغرب بالكاثوليك بمعنى (العموميّ). و اشتدّ الخلاف بين هاتين الفرقتين و أدّت الى الانشقاق في الجذور و أصبحت علنيّة و انقسمت الديانة الى المذهب الارثوذوكس الشرقي و الكاثوليك الرومي.
و من أهم أوجه الخلاف بين هذه الكنائس انّ الأرثوذوكس لا يعترفون بأي وجه من الوجوه برئاسة البابا كرئيس أعظم للجامعة المسيحية . و توجد خلافات أخرى و لكنها ليست بذات أهمية هذه النقطة. ومن نقاط الخلاف أنّ الكاثوليك يعتقدون بأنّ الابن و روح القدس في مستوى واحد و يعتبرون المقامات الثلاثة في مقام واحد و هو التوحيد. و في مقام التفصيل يعتبرون ثلاثة في واحد و في هذا المقام الابن هو السيد المسيح و هو من نفس حقيقة و جوهر الأب و روح القدس ناشئ من الأب و الابن.
في حين أن الأرثوذوكس ضمن عقيدتهم بالتثليث يعتبرون روح القدس ناشئا من الأب فقط.
الكاثوليك يقّدسون السيدة مريم و يعبدونها في حين أن الأرثوذوكس يعتبرون السيدة مريم في مستوى القديسين و يحترمونها فقط.
و القساوسة الكاثوليك يعطون لأنفسهم الحق بالنيابة عن البابا و السيد المسيح أن يعفوا عن الذنوب و يقال للذي يعترف بالذنب بأن الله يعفو عن خطاياك.
و في النهاية توجد هناك خلافات سطحيّة بخصوص التعميد و بعض الطقوس.
و بعد هذا التقسيم و الانشقاق في المسيحيّة رجحت كفّة كنائس الكاثوليك في الغرب و ازدادت قوّتهم يوما بعد يوم. وازداد عدد الأساقفة و البابوات. و وصلت قدرتهم و نفوذهم بدرجة أنّه في القرون الوسطى من القرن الخامس حتى القرن الخامس عشر كانت لدى البابوات السلطة في اندلاع الحروب و حتى نصب و عزل السلاطين.
و لكن في أوائل القرن السادس عشر بسبب فساد نظام البابوات و عدم رضاء عامة الناس عن قواعد كنائس الكاثوليك و رغبة السلاطين في انهاء سلطة البابوات و الأساقفة و النهضة التي حصلت في أفكار العموم و بسبب الاختراعات و العوامل الأخرى و قيام مارتين لوتر (Martin Luther) في ألمانيا تشعّبت المسيحيّة الى قسم ثالث. رغم أنّه كان قسيسا الاّ أنّه قام ضد عقائد و شعائر الكنيسة الكاثوليكيّة و أصدر اعلانا يتضمّن (95) مادة و أوجد مذهبا آخر باسم البروتستانت . أعلن لوتر مخالفته عن بيع و شراء الأراضي في الجنة و جمع الأموال عن طريق الاجبار و بيع أوراق الاستغفار بالنيابة عن الكنيسة و الشعائر السبعة (التعميد، العشاء الربّاني، الاعتراف بالذنوب عند القسّيس، تزييت المريض، مراسم الزواج، مراسم اعطاء المقامات الدينيّة و كذلك عبادة القديسين )كما أنه خالف قوانين أخرى للكنيسة الكاثوليكيّة . و لكنه أعلن بأن الانجيل هو أعلى مرجع للمسيحين، و ليس البابا فأمر بأن يترجم الكتاب المقدّس الى جميع اللغات و أن يكون من حق أي مؤمن أن يحصل على نسخته من الكتاب.
و بهذه الطريقة أوجد لوتر و أتباعه عقائدهم الاعتراضية أو الاصلاحيّة و أشاعوا المذهب البروتستاني.
و قبل مارتين لوتر ظهر مصلحون آخرين أمثال جان ويكليف (John Wycliffe) في بريطانيا و جان هوس (John Hus) في تشيكوسلوفاكيا، كما ظهر في سويسرا أولريخ زونيكلي (Ulrich Zwingli) و جان كالوين (John Calvin) و هذان الاثنان كان لهما الأثر الكبير في اشاعة و ترويج المذهب البروتستاني فاذا كانت المسيحيّة قد انقسمت مرة في القرن الحادي عشر الى شعبتين الكاثوليك الرومي و أرثوذوكس الشرقي الا انّها انقسمت مرة أخرى في القرن السادس عشر عند قيام الثورة الاصلاحيّة فظهرت البروتستانيّة و عشرات من المذاهب المستقلة الأخرى و التي انشعبت منها كنائس لوتري، برسبيتاري، انجليكن، متوديستي، آدونتيستي، بابتيسي، و غيرها. أوجدت مع مرور القرون وكلهم بروتستانية أو انجيلية (Evangelical ) و جميع هذه الشعب تعتبر الانجيل أعلى مرجع و مقام مطاع و ليس البابا . و في الوقت الحالي يبلغ عدد المسيحين في العالم في حدود بليون و نصف ،(850)مليون منهم كاثوليك، (440) مليون بروتستانت و (170) مليون من الأرثوذوكس.
كتابهم المقدّس بصورة عامة (الكتاب المقدّس) و يشمل كتاب العهد العتيق و العهد الجديد و بصورة خاصة كتاب العهد الجديد و يشمل أربعة أناجيل: متى ، مرقس، لوقا، و يوحنا. و ثلاثة و ثلاثين رسالة من بولس، لوقا، يوحنا، بطرس، يعقوب و يهوذا.

تاريخ الاسلام

الأعراب و أجداد الرسول (ص):
سكنت الأعراب قديما شبه الجزيرة العربية . و تنحدر أصولهم من سلالة قحطان و ابنه يعرب و لذا يعرفون بالقحطانين و توجد أقوام أخرى أيضا مثل قوم عاد و ثمود الذين بعث لهم الله رسلا مثل هود و صالح و لكن لم يبق لهم تاريخ سوى المذكور في القرآن الكريم.
كما توجد هناك أقوام مستعربة في شبه الجزيرة العربية الذين هاجروا من مناطق أخرى اليها و بقوا هناك قرون طويلة لذا يسموا بالمستعربين ، مثل قوم اسماعيل أولاد و أحفاد سيّدنا اسماعيل ابن سيّدنا ابراهيم، الذين هاجروا الى الحجاز و مكة (غرب شبه الجزيرة العربية).
كانت ديانة الأعراب عبادة الأصنام و يعملون في التجارة و قليلا في الزراعة و خاصة النخيل. كانوا رعاة للأغنام . و منهم قطاع الطرق و تداولت بينهم بيع و شراء العبيد. لذا فانّ القوة كانت رمزا للغلبة و النصر عند الأعراب و دائما يكون الغالب على حق و المغلوب باطل.
و قد ظهر بين قبائل بدويّة كهذه رسول ربانيّ (سيّدنا محمد) جدّه هاشم من رؤساء قبيلة قريش و لمّا كان جدّه المشهور بعبد المطلب كبير السن و لم يرزق بالأولاد و لما كانت العادات قديما في ذلك الزمان هي النذر فقد ذهب عند الصنم الكبير و نذر عنده بأن لو رزق بالأولاد سيفدي أحد أبنائه. و من ثمّ جاء القدر بأن يرزق بأكثر من عشرة أولاد و عمل القرعة كي يفدي أحد أبنائه تحقيقا لنذره ، فرست القرعة على ابنه الحبيب عبدالله فحزن كثيرا الاّ أنّ امرأة كاهنة أرشدته بأن يفدي الجمال بدلا من ابنه و أعادوا القرعة فرست على فداء ابنه ثمّ كرروا القرعة و زادوا في عدد الجمال الى أن وصل النذر 100 رأس جمل بدلا عن عبدالله و نجى عبدالله من الفداء. تزوّج عبدالله من آمنة و لكن توفّي قبل أن يولد طفله الوحيد و كان هذا الطفل سيّدنا محمد (ص).
الرسول الأكرم:
ولد سيّدنا محمد في مكة سنة 570 ميلاديّة توفي والده قبل ولادته و توفت والدته بعد عدة سنوات . لذا رعاه عمّه أبوطالب و اشتغل حتى سن الثانية عشرة برعي الأغنام و التجارة و اشترك مرة في أحد الحروب المعروفة ب (فجار).
تزوّج في سن الخامسة و العشرين (595 ميلاد يّة ) مع خديجة، البالغة من العمر أربعين سنة، و هي امرأة محترمة و غنيّة .
في أغلب الأوقات كان يتّجه الى جبل حراء قرب مكة و ينشغل بالدعاء و المناجاة مع ربّه. الى أن بعث للرسالة الالهيّة و هو في سن الأربعين (609ميلاديّة) و أظهر أمره في البداية لزوجته المحترمة و سيّدنا علي بن أبي طالب، و آمن الاثنان بحضرته ثمّ بقي الأمر في الخفاء مدة ثلاث سنوات. ثمّ استمر الاعلان عن الدعوة مدة عشر سنوات في مكة. و في هذه الفترة ، لقي حضرته أنواعا من العذاب و المشقّات من أهل قريش و وصل الأذى و التعذيب لدرجة أنّه في السنة الثالثة عشرة من اعلان الدعوة، أي سنة 622ميلاديّة، مساوية للسنة الأولى من الهجرة، أراد الكفّار أن يقتلوه لذا هاجر الى المدينة . و في يثرب (المدينة) أعلنت دعوة محمد كشريعة رسميّة و أكمل الأحكام و العبادات . و في السنة السادسة و السابعة (628-629ميلاديّة) بعث حضرته رسائل خاصة للسلاطين في ايران و الروم الشرقي و الحبشة و مصر و بعض الأمراء.
قام حضرته طيلة بقائه في المدينة بالدفاع عن الدين و مواجهة الكفار من الأعراب و اليهود المخالفين و انتصر عليهم في أكثر الغزوات و فتح مكة و طهّر بيت الله من دنس الأصنام و الأوثان.
أنزلت الأحكام الالهيّة في القرآن المجيد و هدى قومه الأعراب الى الهداية الروحانيّة. و في السنة العاشرة من الهجرة (632ميلاديّة) عيّن شفاهيّا ابن عمّه علي بن أبي طالب (أول من آمن به) وصيّا.
و بعد 23 سنة من تاريخ بعثة حضرته الذي صرف كل وقته في تربية و هداية الخلق صعد و هو في سن 63، في السنة الحادية عشرة من الهجرة (633ميلاديّة) في المدينة المنورة.

المرحلة التالية لوفاة الرسول:
1. الخلفاء الراشدون:
رغم أن سيّدنا محمد أوصى شفاهيا بأن يكون عليا خليفته و كان في الحقيقة خليفة المسلمين الأول نظرا لكمالاته االقدسيّة و أخلاقه و فضائله الملكوتيّة. الاّ أنّ أكثر المسلمين عيّنوا أبابكر للخلافة و لم يخالف سيّدنا علي هذا الأمر ليمنع التفرقة و الانشقاق في الدين.
كان أبو بكر خليفة المسلمين مدة سنتين و ثلاثة أشهر و قبل وفاته عيّن عمرا خليفة له. و كانت مدة خلافة عمرعشر سنوات و نصف و فتح في عصره من خلال حروب كثيرة مناطق حلب و سورية و بيت المقدس و العراق و ايران و مصر. و أوصل حدود الاسلام من الجزيرة العربية الى شمال افريقيا و كل آسيا الصغرى و حدود أوروبا الشرقيّة ‎.
ثمّ عيّن عمر بن الخطاب عثمان بن عفان خليفة للمسلمين مدة اثنتا عشرة سنة و أكمل الأخير فتوحات عمر، ففتح ممالك شمال افريقيا و كافة ايران و القفقاز. و من أهمّ أعماله وحّد القرآن الذي نظّم في زمن أبي بكر.
و في الآخر بعد عثمان أصبح سيّدنا علي خليفة للمسلمين و قام أفراد فاسدون ،انهمكوا في الأمور الدنيويّة و أهوائهم الشخصيّة و طلبا للرياسة ، بعزل حضرته. و أعلنوا الحرب على حضرته، كل من معاوية في الشام و طلحة و زبير و عائشة (زوجة الرسول) في مكة و البصرة، و سمّيت هذه الحرب بحرب الجمل ، وقعت قرب البصرة و انهزمت فيها عائشة و مات كل من طلحة و الزبير الذين كانوا من المؤمنين الأوائل. و في الحرب الثانية كانت معركة صفين قام فيها معاوية بالخدعة عندما وجد نفسه مهزوما و أبدى موافقته على رأي التحكيم بينه و بين سيّدنا علي و كانت نتيجة التحكيم عزل سيّدناعلي ظاهريا الاّ أن جماعة من أتباع حضرة علي خالفوا هذا الرأي و اعترضوا و خرجوا عن الصف و سمّوا (بالخوارج). و بعد ذلك في نهروان (بين النهرين) انهزموا من جيش أمير المؤمنين و لكنّهم لم ينتهوا و انشعبت منهم فرق احداها الأباضيّة . و في النهاية حكم سيّدنا علي مدة خمس سنوات في الخلافة، و في سنة 41 هجريّة قبل أن ينهزم معاوية و يتنبّه استشهد سيدنا علي بيد عبدالرحمن بن ملجم أحد الخوارج.
يسمّى عهد (أبوبكر، عمر، عثمان، و سيدنا علي) بالخلفاء الراشدين و قد حكموا مجتمعين مدة ثلاثين سنة.
2.الأمويون:
بعد استشهاد سيدنا علي بايع جماعة من المسلمين الامام حسن الابن الأرشد لسيدنا علي للخلافة. الاّ أنّ الامام حسن صالح معاوية حسب تهديده فأصبح معاوية الخليفة المقتدر الذي لا يستطيع أحد معارضته و أصبح سلطانا ظالما و مقتدرا حكم المسلمين دون أية اعتبارات لأصول الدين الاسلامي. و عيّن يزيد ابنه وليا للعهد و خليفة له.
و في مدة 91 سنة، من سنة 41 الى 132 هجريّة، حكم أربعة عشر شخصا من الأمويين، (و لأنهم كانوا من نسل أميّة عرفوا ببني أميّة). حكموا بكل ظلم و طغيان و في زمن يزيد،ابن معاوية، قام بقتل سيّدنا الحسين و أتباعه، البالغ عددهم اثنين و سبعين، قرب الكوفة حسب الشروح المذكورة في التاريخ.
و في النهاية في سنة 132 انقرض الحكم الأمويّ الذي أسسه معاوية و قضي على حكم بني أميّة على يد أبي مسلم الخراسانيّ على النحو التالي
3. العبّاسيون:
لقد اختار الايرانيون منذ البداية و لأسباب كثيرة خلافة علي بن أبي طالب بعد الرسول و امامه أولاده و أحفاده و معتقدين بولاية حضرته من غير فصل. قاموا ضد الخلفاء الأمويين في زمن بني أمية كرارا و في كل مرة كانت تتزلزل خلافة بني أمية الى أنه في النهاية قام أبو مسلم الخراساني بفتح دمشق عاصمة الأمويين و قتل مروان (المشهور ب "حمار") آخر خلفاء العهد الأمويّ. و جلس أبو العباس الملقّب بالسفّاح و هو من سلالة عباس بن عبد المطلب عمّ الرسول و أسس سلسلة خلافة العباسيين.
و عندما جلس العباسيون على العرش و هم من الأعراب و حصلوا على القدرة و النفوذ لم يكونوا متفقين مع العجم. و قام الخليفة العباسيّ بعد السفاح أي المنصور في زمن الامام جعفر باحضار أبي مسلم الى دمشق عن طريق الخدعة و التزوير و قتله. و كان هذا الأمر سببا في أن يتمسّكوا بعقيدتهم أكثر من ذي قبل بالعلويين و قاموا ضد الخلفاء العباسيين كرارا.
كان الخلفاء العباسيون ذي قدرة على فتح المدن و وسّعوا دائرة العلوم و المعارف و أصبحوا من الأعداء اللدودين للأمويين و العلويين و الشيعة. مجموع خلفائهم سبعة و ثلاثون، حكموا مدة 524سنة من سنة 132 حتى 656 هجرية. و لكن في الأواخر خرجت بعض الممالك و منهم ايران من سلطة و نفوذ الخلفاء العباسيين و استقلّوا لأنفسهم. و آخر الخلفاء العباسيين هو المعتصم بالله الذي قتل بفرمان من "هولاكو خان المغولي".
و قد انتشر الاسلام في زمن خلافة العباسيين و تقدم المسلمون في العلوم المختلفة تقدما ملحوظا و أصبح علماء المسلمين حاملين مشعل العلم في ذلك الزمان.
و في أواخر مدة الخلافة العباسيّة ،التي استمرت 500سنة، وقعت حروب الصليبين التي استمرّت مائتي سنة. و لم يصل المسيحيون بأوروبا الى نتيجة بعد أن قاموا بالحروب في تسعة هجمات بفتوى من البابا لنجات أورشليم (بيت المقدس) و رجعوا جميعهم الى أوروبا (بداية من سنة 1095- 1291ميلاديّة).
4.العثمانيون:
بعد انقراض خلافة العباسيين لم تتحقق الخلافة بمعناها السابق و أصبحت كل الدول الاسلاميّة تابعة للقوانين المدنيّة و السياسيّة للحكومة و من الناحية الشرعية تابعة لعلماء الدين و المجتهدين. و بدلا من توسعة المعارف الاسلاميّة انشغلوا بالمشاكل الداخليّة الكثيرة.
رغم أنّ الحكومة العثمانيّة وجدت بعد انقراض العباسيين و مسكوا الخلافة عمليا و لقب الملوك العثمانيون بلقب "خليفة الاسلام" و لكن نظرا لأنّهم لم يكونوا من الأعراب و من سلالة الرسول أو من قبيلة قريش لم تقبلهم العامة. و لكن من حيث القوة و النفوذ كانوا مسيطرين على الأقاليم الشرقية في أوروبا و كافة آسيا الصغرى (تركيا) و سورية و الشام و فلسطين و مصر و قسما من الجزيرة العربية. الى أن انتهت الخلافة العثمانيّة سنة 1924 ميلاديّة بسبب المظالم الشنيعة التي ارتكبوها.
المذاهب:
كما ذكرنا بعد وفاة الرسول كانت جماعة من المسلمين معتقدين قلبيا بخلافة سيّدنا علي من غير فضل. و من هنا وجد مذهب الشيعة في ايران و بعض الناطق الأخرى و انتشروا و أصبح مذهبا رسميا.
الشيعة في ايران "الاثني عشرية " يعتقدون باثني عشر اماما بعد الرسول :
1. سيّدنا علي بن أبي طالب (أمير المؤمنين).
2. الامام حسن بن علي (المجتبي).
3. الامام حسين بن علي (سيّد الشهداء).
4. الامام علي بن حسين (زين العابدين).
5. الامام محمد بن علي (باقر).
6. الامام جعفر بن محمد (صادق).
7. الامام موسى بن جعفر (كاظم).
8. الامام علي بن موسى (رضا).
9. الامام محمد بن علي (تقي).
10. الامام علي بن محمد (نقي).
11. الامام حسن بن علي (عسكري).
12. القائم (حسب عقيدتهم هو الابن الأصغر للامام الحادي عشر الغائب و سيرجع).
و الشيعة ليسوا فقط من يؤمن بالاثني عشر اماما بل لهم مذاهب أخرى من ضمنها:
الغلاة : الذين يرفعون مقام بعض الأئمة منهم علي بن أبي طالب الى مقام الألوهيّة و هم أيضا متشعبون الى فرق متعددة.
الكيسانيّة (أو المختاريّة): بعضهم يؤمن بالامام محمد الحنفية الأخ الغير شقيق لسيّدنا علي و البعض يؤمن به كامام بعد سيّدنا الحسين. و لهم فرق متعددة أيضا.
الزيديّة: اعتقدوا برجعة زيد بن علي (الأخ الأصغر للامام محمد باقر) بعد وفاة زين العابدين.
الاسماعيليّة: اعتقدوا بخلافة و رجعة اسماعيل الابن الأرشد للامام جعفر الصادق رغم أن اسماعيل كان قد توفي في زمان الامام جعفر الصادق و عيّن حضرته الامام موسى ابنه الآخر كخليفة له. و الاسماعيليّة أيضا لهم فرق متعددة أخرى.
المسلمون الذين آمنوا بخلافة أبي بكر و عمر و عثمان و سيّدنا علي و الأمويين بالترتيب يسمى بالمذهب السني الكبير.
و في زمن الأمويين و العباسيين انقسم المذهب السني أيضا الى أربعة فرق فقهيّة: الحنبلي، الحنفي، المالكي، الشافعي. و لازالت هذه الفرق لها صفة رسميّة و لهم فقهم المذهبي الخاص. و لكن جميع هذه المذاهب معتقدون بالرسول و الكتاب الواحد (القرآن الكريم) و هذا هو وجه اتحاد المسلمين.
القرآن الكريم الكتاب السماوي الذي يحتوي على الوحي الالهي النازل على الصدر المنير للرسول الأكرم نزل في ثلاثة و عشرين سنة مدة رسالة حضرته . القرآن الكريم يحتوي على ستة آلاف آية و مائة و أربع عشرة سورة.و بعد القرآن الكريم و هو كلام الله هناك مجموعة من الأحاديث المروية عن الرسول (ص) و الأئمة عند الشيعة. الرسول و الصحابة لهم اعتبارهم في السنة و بقية الكتب الاسلامية الكثيرة الموجودة في المعارف الاسلاميّة من تأليف العلماء و الفضلاء.
عدد المسلمين في العالم حوالي 817مليون في سنة 1980م.480 مليون منهم من السنة و 125 مليون من الشيعة و البقية فرق متعددة.

حضرة الباب
المبشّر بحضرة بهاء الله (١٨١٩-١٨٥٠)

"إنّها سيرةٌ تُعَدّ مثلاً من أروع الأمثلة في الشجاعة والإقدام، وكان للإنسانيّة حظّ عظيم في التعرّف عليها..." ورد هذا التقريظ على لسان الكاتب والمؤرخ الفرنسي المرموق أ.ل.م نيكولاس، وكان يقصد به سيرة تلك الشخصية القدسية الفذّة التي عرفها تاريخ القرن التاسع عشر باسم "الباب."
ففي النصف الأول من ذلك القرن استحوذ على العديد من الناس، شعورٌ عميق من التَّرقُّب والانتظار لعودة السيد المسيح. وبينما كان المسيحيون ينتظرون المجيء الثاني لعيسى ابن مريم، اجتاحت العالم الاسلامي موجة من التوقعات بظهور "صاحب الزمان." واعتقد كلٌّ من المسيحيين والمسلمين بأَنَّ عصراً روحياً جديداً سيبدأ تحقيقاً للنبوءات التي جاءت في كتبهم المقدسة.
بلغت حميّة تلك التوقعات ذروتها في الثالث والعشرين من شهر أيار (مايو) ١٨٤٤، عندما أعلن تاجر شاب – هو حضرة الباب – بأنه صاحب رسالة إلهيّة، طال الوعد بها، ومقدّر لها أنْ تُحوِّل الحياة الروحية للجنس البشري وتحييها من جديد. وكان نداؤه شاملاً إذ قال:
"يا أهل الأرض اسمعوا نداء الله ... لقد جاءكم النور من الله بكتاب هذا على الحقّ بالحقّ مبيناً لتهتدوا إلى سبل السلام."
كان المجتمع الفارسي آنذاك يرزح تحت وطأة انهيار خُلُقي واسع في مداه، فأَعلن حضرة الباب في هكذا جوّ أَنَّ أساس الإحْياءِ الروحي والتقدم الاجتماعي هو "الحبّ والرأفة" وليس "الشدة والسطوة،" فأثار ذلك الإعلان الأمل والانفعال لدى طبقات المجتمع كافة، وسرعان ما اجتذبت دعوة حضرة الباب تلك الآلاف من المؤيّدين والأتباع.
ورغم أنَّ اسم التاجر الشاب كان سيد علي محمد، إلاّ أنه اتخذ لنفسه لقب "الباب." وبيّن حضرة الباب بأنَّ مجيئه لم يكن إلاّ مدخلاً تَعبُره الإِنسانيّة نحو ذلك الظهور الإلهيّ الذي ينتظره البشر في كلِّ مكان. أما الموضوع الرئيس الذي تناوله كتاب البيان – وهو أم الكتاب بالنسبة للظهور البابي – فكان الظهور الوشيك لرسول ثانٍ يبعثه الله، يكون أعظم شأناً من حضرة الباب نفسه، ويحمل رسالةً جديدة لبدء عهد من العدل والسلام، وهو ما وعد به كلٌّ من الدين الاسلامي واليهودي والمسيحي، بالإضافة إلى كلّ دين عالمي آخر اعتنقه البشر.
حين أشار حضرة الباب إلى ذلك الرسول القادم استخدم عبارة رمزيّة وَصَفَتْهُ بأنّه "مَنْ يُظْهِرُه الله". وأَكّد استقلالية ذلك الرسول وسيادته الكاملة فصرّح "بأنّه لا يستشار بإشارتي ولا بما نزل في البيان." كما وضّح حضرة الباب أيضاً الهدف الرئيس لرسالته هو فقال: "إنَّ الهدف من هذا الظهور، وكلّ ما سبقه من الظهورات الأخرى، ليس إلاّ الإعلان عن مجيء مَنْ يُظْهِرُه الله وبعث رسالته." وبما أنَّ جوهر الإنجازات الإِنسانية كافة موجودة في تعاليم هذا الظهور الإلهي الموعود فإنَّ "الدين كلّه يكمن في نصر ذلك الظهور ودعمه." ولقد اعتبر حضرة الباب أنَّ التاريخ الإِنساني قد بلغ نقطة تحوّل رئيسة، وكان هو بمثابة "صوت الصارخ الذي كان ينادي في بريّة البيان" بأنَّ الإِنسانية بدأت بالدخول في مرحلة نضجها الجماعي.
ناشد حضرة الباب في كلِّ ما كتب، أتباعَه ليكونوا يقظين حتى إذا أظهر الموعود نفسه بادروا إلى إعلان الإيمان به. وحثّ أتباعه أيضاً على أن يشاهدوا الأمور بأعين أفئدتهم منزّهين أنفسهم عن كل وهم:
"قل إِنّما الآخرة أيام من يظهره الله، لا تجعلُنَّ شيئاً من أوامر الله موهوماً عند أنفسكم ولْتَرَوُنَّ كلَّ شيء ما قد خلقه بأمره بأَعْين أَفئدتكم مثل ما أنتم بأَعْين أَجسادكم تُبصرون."
أكَّد حضرة الباب لأتباعه مراراً عِظَمَ مقام "من يُظهره الله" وسموَّ مكانته، وأراد لهم أنْ يكونوا لائقين للمثول بين يديه حين ظهوره، فسنّ لهم نمطاً للحياة وقواعدَ للسلوك تتصف بالعفّة والطهارة والقداسة ونبل الأخلاق. وأهاب بالرعيل الأول من أتباعه وتلاميذه التقيّد بتلك القواعد الأخلاقية التي لم تشهد لها الإِنسانية مثيلاً قبل ذلك:
"اغسلوا قلوبكم عن أدران الشهوات في هذه الدنيا واجعلوا زينتكم فضائل الملأ الأعلى... والآن قد أتى الوقت الذي لا تصعد فيه الأَعمال إلى عرشه الأعلى إلاّ إذا كانت طاهرةً نقيةً، ولا تكون مقبولة لديه إلاّ إذا كانت خاليةً من آثار الدَّنس..."
وردت إشارات عدة بقلم حضرة الباب بالنسبة لشخصيّة "مَنْ يُظهره الله،" منها مثلاً قوله في موضعين مختلفين:
"طوبى لمن ينظر إلى نظم حضرة بهاء الله ويشكر ربّه فإنّه يَظهر ولا مردَّ له من عند الله في البيان..."
"إذا أشرقت شمس البهاء عن أفق البقاء أنتم فاحضروا بين يديّ العرش..."
وفي عام ١٨٤٨ وفي جمعٍ ضم جمهرة من أتباع حضرة الباب اتخذ حسين علي لقب "البهاء." وقد عرف التاريخ حسين علي باسم بهاء الله وهو الذي كان من أبرز أتباع حضرة الباب، وحاز اتخاذُه لذلك اللقب دعم حضرة الباب وتأييده.
إنَّ الدور الذي قام به حضرة الباب تجاه ظهور حضرة بهاء الله يشبه في بعض وجوهه ما قام به يوحنا المعمدان تجاه تأسيس الدين المسيحي. كان حضرة الباب المبشّر بحضرة بهاء الله، وكانت وظيفته تمهيد السبيل لمجيء حضرة بهاء الله. وطبقاً لذلك، فإنَّ تأسيس الدين البابي لهو في الحقيقة مرادف لتأسيس الدين البهائي، وإنَّ هدف رسالة حضرة الباب تَحَقَّقَ عندما أعلن حضرة بهاء الله في عام ١٨٦٣ بأنَّه الموعود المنتظر الذي أعلن عنه حضرة الباب. وأكّد حضرة بهاء الله فيما بعد هذا الرأي في أحد ألواحه حين وصف حضرة الباب بأنه كان "[منادياً] باسمه و[مبشّراً] بظهوره الأعظم الذي ارتعدت له فرائص الأمم وسطع النور به من أفق العالم." فقد سجّل ظهور حضرة الباب في التاريخ الديني ختام "كور النبوّة" و"بداية" الكور الذي "سوف تتحقّق فيه كل النبوءات."
ومع ذلك يجدر بنا أنْ لا ننسى أنّ حضرة الباب أسَّسَ ديناً مستقلاً قائماً بذاته، خاصاً بدعوته هو، عُرِفَ بالدين البابي. فبَعَث هذا الظهور الديني جامعة من المؤمنين مليئةً بالحيويّة والنشاط، وانبثق عنه وحيٌ من الآيات والآثار المقدسة، ومَهَرَ التاريخَ ببصماته الخاصة المُمَيَّزَةِ التي لا تُمحى. وتشهد الآثار البهائية المقدسة بأنَّ "عظمة حضرة الباب لا تكمن فقط في أنَّ الله قد بعثه ليبشّر بهذا الظهور الأعظم، بل وأكثر من ذلك لكونه ظهر بالقدرة والسيادة ذاتهما الكامنتين في كلّ ظهور إلهي يتمتع بالقوة والعزم، فمَلَكَ بصولجان رسالته المستقلة مُلكاً لم يُضاهِهِ فيه أحدٌ من الرسل والأنبياء السابقين." وقد تمكّن حضرة الباب حقاً من القيام بدورٍ يذكّرنا بما قام به الرسل والأنبياء الأولون، إذ أطلق دعوة الإصلاح الخلقي والروحاني في المجتمع الفارسي، وأصرّ على رفع المستوى الاجتماعي للمرأة وتحسين أوضاع الفقراء والمعْوزِين. ولكن - على عكس مَنْ سَبَقَهُ من الذين نظروا إلى المستقبل البعيد إلى يوم تمتلئ الأرض بـ"معرفة الرب" - تمكّن حضرة الباب من أن يقيم الدليل بفضل ظهوره بأنَّ فجر نور "يوم الله" قد بدأ ينبثق.
موصدةً بدت قلوبُ وعقول أولئك الذين وجّه إليهم حضرة الباب دعوته، فكانوا وكأنهم أسرى عالم فكري تجمّد على حاله دونما تبديل منذ القرون الوسطى. فكانت الإجراءات والقواعد التي سنّها لمعالجة انهيار الحياة الروحية، ناهيك عن إعلاء شأن العلم والتربية وتشجيع دراسة العلوم النافعة، كل هذه الأفكار بدت آنذاك ثوريّة للغاية مهما كان المعيار الذي نُِقيمُه للحكم عليها. وهكذا استطاع حضرة الباب بإِعلانه عن دين جديد مساعدة أتباعه كي يتحرّروا من التقاليد الفكرية الاسلامية الموروثة، وعبّأَ صفوفهم استعداداً لمجيء حضرة بهاء الله.
وصفَ الملاّ حسين البشروئي، أحد علماء الدين المرموقين في بلاد فارس، الأثر الذي تركه في نفسه ذلك اللقاء الأول حين مَثُلَ بين يديّ حضرة الباب: "شعرت بقوة وشجاعة خُيِّل إليّ معهما أنني أستطيع أنْ أقف وحيداً لا أتزعزع في وجه العالم كلّه بكل شعوبه وحكّامه. وبدا لي أنَّ الكون لا يزيد على حفنة من التراب في يدي. وحَسِبتُ أنني صوتُ جبريلَ المتجسّد يَهيب بالناس جميعاً أنْ أفيقوا فإِنَّ نور الصبح قد لاح."
كان لدعوة حضرة الباب تأثير بالغ أَحدث تحوّلاً وتغييراً في النفوس، وتحقّق ذلك أساساً عبر رسائله وتفاسيره وكتاباته العقائدية والصوفية. أما البعض، كالملاّ حسين، فقد استمعوا إليه شخصياً يحدّثهم ويتحفهم ببديع بيانه. ووصف أحد أتباعه ما كان للباب من صوت مؤثّر فقال: "كان صوت حضرة الباب وهو يُملي تعاليمه وقواعد إيمانه مسموعاً بوضوح في سفح الجبل الذي كان يردد هو والوادي صوته، وكانت نغمة ترتيل الآيات تفيض من فمه وهي تشنّف الأسماع وتخترق القلوب والأرواح، وتتحرك لندائه قلوبنا من أعماقها."
اتّسم الإعلان عن الدعوة الجديدة بالشجاعة والإقدام، وهي الدعوة التي رسمت للبشر رؤية مجتمع جديد في كل نواحيه، فأصاب الفزع المؤسسات الدينية والمدنيّة على حدّ سواء. وسرعان ما تعرّض البابيون للاضطهاد والتعذيب نتيجة لذلك. فأُعدم الآلاف من أتباع حضرة الباب في سلسلة من المجازر الفظيعة. وسجّل عدد من المراقبين الغربيين الشجاعة المعنوية الخارقة التي أبداها البابيون وهم يواجهون حملة العنف والاضطهاد هذه. وتأثّر المفكرون الأوروبيون كإرنست رينان، وليو تولستوي، وساره برنارد، والكونت غوبينو، أبلغ الأثر لهذه المأساة الروحيّة التي دارت رَحَاهَا في بلد خيّم عليه الظلام. وأصبحت أخبار حضرة الباب موضوع حديث المنتديات الفكرية والأدبية الأوروبية بصورة متكرّرة. وحَمَلت تلك الأخبار البطولة التي تحلَّى بها أتباعه، وحكت عن سيرته العطرة ونبل تعاليم رسالته. وانتشرت قصة الطاهرة، تلك الشاعرة العظيمة والبطلة البابية، انتشاراً واسعاً كقصة حضرة الباب نفسه - فهي التي خاطبت جلاّديها حين استشهادها بجرأة قائلة: "تستطيعون قتلي بأسرع ما تريدون، ولكنكم لن تستطيعوا إيقاف تحرير المرأة."
وفي نهاية الأمر زعم أعداء حضرة الباب ومناوئوه بأنه لم يكن مارقاً في الدين فحسب، بل ثائراً ومتمرداً عظيم الخطر أيضاً. لذا قررت السلطات التخلّص منه وإِعدامه. ونُفّذ فيه الحكم في التاسع من تموز (يوليه) عام ١٨٥٠ (الموافق للثامن والعشرين من شعبان ١٢٦٦ هجرية) في ميدان يتوسط الثُّكنات العسكرية بمدينة تبريز. واحتشد جمع غفير من الناس قُدّر عددهم بعشرة آلاف شخص، غصّت بهم سطوح الثكنات العسكرية والمنازل المشرفة على الميدان. وعُلّق حضرة الباب وشابٌ من أتباعه بحبلين ودُلِّيا أمام جدار في الميدان. واصطفّت الفرقة العسكرية وكان قوامها ٧٥٠ جندياً أرمنياً ثم انتظمت في صفوف ثلاثة في كل صف ٢٥٠ جندياً، وأطلق كل صف الرصاص بعد الآخر، وتكاثف الدخان المتصاعد من البنادق السبعمائة والخمسين حتى أظلم الميدان وتعسرت الرؤية فيه.
وسجّل أحداث استشهاد حضرة الباب السير جستين شييل، السفير فوق العادة ومبعوث الملكة فكتوريا الخاص لدى بلاط الشاه، في تقرير رفعه إلى وزير الخارجية البريطاني اللورد بالمرستون بتاريخ الثاني والعشرين من تموز (يوليه) عام ١٨٥٠، وقد جاء في تقريره ما يلي: "عندما انقشع الغبار الكثيف بعد إطلاق الرصاص، توارى حضرة الباب عن الأنظار وهتف الجمهور بأنّه قد صعد إلى السماء. فقد مزّق الرصاص الحبلين اللذين رُبط بهما حضرة الباب ورفيقه، إلاّ أنّه أحضر فيما بعد من الغرفة التي اكتُشِفَ وجوده فيها وتّم إطلاق الرصاص عليه من جديد."
بعد هذه المحاولة الأولى لتنفيذ حكم الإِعدام في حضرة الباب واختفائه عُثِرَ عليه يجلس في زنزانته وهو يُملي الإرشادات على أحد أتباعه. وكان حضرة الباب قد حذّر حرّاسه في وقت سابق من النهار حين قدموا ليقودوه إلى ساحة الإعدام بأن ليس هناك من قوة في الأرض يمكنها منعه من إتمام كل ما يريد الإدلاء به حتى الحرف الأخير. ولكن عندما حضر الحراس لاقتياده إلى الساحة للمرة الثانية تحدث اليهم قائلاً بكل هدوء: "أما وقد انتهيت من حديثي مع السيد حسين فبإمكانكم أنْ تفعلوا ما بدا لكم."
واقتيد حضرة الباب ورفيقه الشاب مرة أخرى إلى ساحة الإِعدام. إلاّ أنَّ الجند الأرمن رفضوا إطلاق الرصاص عليه مرة ثانية، فشُكِّلت فرقة من الجند المسلمين وأُمروا بإطلاق الرصاص على حضرة الباب ورفيقه. وفي هذه المرة مزّق الرصاص جسدي الشهيدين جاعلاً منهما كتلةً واحدة من اللحم والعظم، أما الوجهان فقد ظلاّ سالمين لم تصبهما إلاّ خدوش طفيفة. وانطفأ نور ذلك "البيت" (والبيت كلمة استخدمها حضرة الباب في أحد ألواحه إشارة إلى ذاته) تحت وطأة سلسلة من الأحداث والظروف المثيرة للغاية، أما كلماته الأخيرة فقد وجهها حضرة الباب إلى الجمهور المحتشد قائلاً: "أيها الجيل الملتوي! لو آمنتم بي لاحتذى كل واحد منكم حذو هذا الشاب الذي هو أعظم منكم شأناً، ولأقبل راضياً مختاراً على التضحية بنفسه في سبيلي، وسيأتي اليوم الذي فيه تؤمنون بي، وعند ذاك لن أكون معكم."
سجّل حضرة بهاء الله تقديره للباب وأجزل له الثناء في كتاب الإيقان فقال:
"... وكم ظهر من الاستقامة من ذاك الجمال، جمال الأحدية، بحيث أنَّه قام كلّ من على الأرض على منعه، ولم يأت ذلك بثمر أو فائدة بل كلّما كان يرد منهم من الإيذاء على تلك السّدرة، سدرة طوبى، كلّما كان يزداد شوقه، ويزداد اشتعال نار حبّه. وكل هذا واضح لا ينكره أحد إلى أَنْ فدى أخيراً بروحه وصَعِدَ إلى الرفيق الأعلى."
وكتب المؤرخ أ.ل.م. نيكولاس الذي سجّل الأحداث المحيطة باستشهاد حضرة الباب ما يلي: "لقد فدى الإِنسانيّة بنفسه، ومن أجل الإِنسانيّة وَهَب روحَه وجسده، ولأجلها تحمّل الحرمان، والأذى، والتعذيب، والاضطهاد، وأخيراً الاستشهاد. ولقد أحكَم بدمائه ميثاقَ الأخوَّة العالمية، ودفع تماماً كما فعل المسيح حياته ليعلن مجيء عهد من الوفاق والعدالة والمحبة الأخويّة."
إنَّ فترة السّنوات الستّ القصيرة التي عاشتها رسالة حضرة الباب والسرعة التي حققت فيها أهدافها رمزت في بعض أوجهها إلى الطّفْرة المفاجئة التي حثّ حضرة الباب العالم لِيُقدِمَ عليها حتى يتمّ الانتقال إلى حالة من الوعي والاحساس بالوحدة العالمية. فمنذ إعلانه الجريء لدعوته في منتصف القرن الماضي تحقّق تقدُّم قلّ نظيره في العديد من المجالات العلمية والتقنية. وسجّل هذا التقدم انبثاق التباشير الأولى لميلاد "مجتمع عالمي موحّد". فكان دوره كـ "النقطة التي ذُوّتَ بها من ذُوّتَ" باعثاً لدورة جديدة من الكشف والإبداع البشري. لقد هبّت نسائم العرفان فاغتنت العقول وحَلّقت الأرواح في السموات العُلَى.
يصف حضرة بهاء الله تعاقب ظهورين إلهيّين بحيث كادا يتزامنان بأنّه "سرّ لا سبيل إلى اكتشاف كنهه." ويعتقد البهائيون أَنَّ هذه الظاهرة ما هي إلاّ تأكيد على قرب مجيء "ملكوت الله على الأرض" وهي الشهادة أيضاً على عظمة ظهور حضرة بهاء الله. وقد علَّق على ذلك عبد البهاء قائلاً:
"إِنَّ حضرة الأعلى [حضرة الباب] لهو صبح الحقيقة الذي أشرق وأضاء بنوره جميع الأرجاء، إنّه المبشّر بالنيّر الأعظم، أي الجمال المبارك [حضرة بهاء الله] الذي وعدت به الكتب والصحف والزبر والألواح السابقة جميعها. فظهور الجمال المبارك أشرق بالنور ذاته الذي تجلّى على الطور في سدرة سيناء. كلّنا عباد لتلك المظاهر الإلهيّة خاضعين خاشعين لدى بابهم."



حضرة بهاء الله
صاحب الرسالة الإلهية (١٨١٧-١٨٩٢)
"وإنما الوجه الذي رأيته، لا أنساه ولا يمكنني وصفه، مع تلك العيون البرّاقة النافذة التي تقرأ روح الشخص. وتعلو جبينه الوَضّاح العريض القدرة والجلال... فلم أك إذ ذاك في حاجة للسؤال عن الشخص الذي امتثلت في حضوره، ووجدت نفسي منحنياً أمام من هو محطّ الولاء والمحبة التي يحسده عليهما الملوك، وتتحسر لنوالهما عبثاً الأباطرة!"
بهذه الكلمات وصف المستشرق إِدوارد غِرانفيل براون، الأستاذ بجامعة كمبريدج، حضرة بهاء الله حين تشرف بزيارة حضرته عام ١٨٩٠ في سجن عكا في فلسطين. وكان حضرة بهاء الله حينها رهين السجن طال نفيه عن وطنه لمدة قاربت الأربعين عاماً، وكانت رسالته آنذاك يحيط بها الغموض بسبب القيود المفروضة عليها، والدعوات المغرضة التي يطلقها أعداؤها. أما اليوم فيعترف الملايين من أتباعه المؤمنين في أرجاء العالم كافة بأنه صاحب الرسالة الإلهيّة لهذا العصر والمربّي الرّوحي لأهل هذا الزمان. ويعتقد البهائيون أنَّ الله سبحانه وتعالى يبعث برسله في فترات مختلفة من التاريخ فيؤسّس هؤلاء، كما فعل موسى وإبراهيم وعيسى ومحمد وكرشنا وبوذا عليهم السلام، أَديانَ العالم ونظمه الروحية. إنّه الخالق الودود يبعث برسله الينا كي نتمكن من التعرف عليه والتعبد لديه بحيث نتمكن من بناء حضارة إِنسانية دائمة التقدم فيما تحقّقه من انجازات عظيمة.
إِنَّ مقام رسل الله ومظاهر أمره مقامٌ فريد متميّز في عالم الخلق. فرسل الله ومظاهر قدرته يتمتعون بطبيعة ثنائية إِنسانيّة وإلهيّة في آن معاً دون أنْ يكونوا في مقام الله سبحانه وتعالى، وهو الخالق المنزّه عن الادراك. وفي هذا المجال كتب حضرة بهاء الله في وصف الله سبحانه وتعالى ما يلي:
"إنَّه لم يزل ولا يزال كان متوحّداً في ذاته ومتفرّداً في صفاته وواحداً في أفعاله وإنَّ الشبيهَ وَصْفُ خلقه والشريكَ نعتُ عباده، سبحان نفسه من أَنْ يوصف بوصف خلقه، وإنَّه كان وحده في علوّ الارتفاع وسموّ الامتناع ولن يَطِرْ إلى هواء قدس عرفانه أطيار أفئدة العالمين مجموعاً، وإنَّه قد خلق الممكنات وذَرَأ الموجودات بكلمة أمره."
إِضافةً إلى ذلك يوجّه حضرة بهاء الله هذا الدعاء إلى الله سبحانه وتعالى فيقول:
"سبحانك سبحانك من أنْ يقاس أمرك بأمر أو يرجع اليه الأمثال أو يُعرف بالمقال، لم تزل كنت وما كان معك من شيء ولا تزال تكون بمثل ما كنت في علوّ ذاتك وسموّ جلالك، فلما أردتَ عرفان نفسك أَظهرتَ مظهراً من مظاهر أمرك وجعلته آية ظهورك بين بريّتك ومظهر غيبك بين خلقك..."
وفي شرحه للعلاقة القائمة بين المظهر الإلهي والخالق السماوي استخدم حضرة بهاء الله مَثَل المِرآة، فالمِرآة تعكس نور الشمس، تماماً كما تعكس المظاهر الإلهيّة نور الله، وكما أنّه لا يمكن مقارنة الشمس بالمِرآة، كذلك لا يمكن مقارنة المظهر الإلهي بالحقيقة الإلهيّة:
"إنَّ هذه المرايا القُدُسية... كلّها تحكي عن شمس الوجود تلك، وذلك الجوهر المقصود، فَعِلْمُ هؤلاء مثلاً من علمه هو، وقدرتهم من قدرته، وسلْطنتهم من سلْطنته، وجمالهم من جماله..."
إنَّ رسالة حضرة بهاء الله لهذا العصر هي في الأَساس رسالة العدل والوحدة والاتّحاد، فقد كتب يقول: "أحبُّ الأشياء عندي الإنصاف،" وكرّر القول في موضعين آخرين بأن "العالم وطن واحد والبشر سكّانه" وبأنَّه "لا يمكن تحقيق إصلاح العالم واستتباب أمنه واطمئنانه إلاّ بعد ترسيخ دعائم الاتِّحاد والاتِّفَاقِ." هذا ما وصفه الرّحمن من دواء ناجع لشفاء علل العالم.
ورغم أنَّ مثل هذه التصريحات والبيانات أَصبحت اليوم جزءاً لا يتجزأ مما يفكّر به عموم الناس، فَلَنا أنْ نتصور كيف باغتت هذه الآراء والأفكار شخصاً مثل إِدوارد غِرانفيل براون حين وجّه اليه حضرة بهاء الله هذه الكلمات في تصريحه الرائع حيث قال:
"الحمد لله إذ وصلتَ... جئتَ لترى مسجوناً ومنفيّاً... نحن لا نريد إلاّ إصلاحَ العالم وسعادة الأمم، وهم مع ذلك يعتبروننا مثيرين للفتنة والعصيان، ومستحقين للحبس والنفي... فأي ضرر في أنْ يتّحد العالم على دين واحد وأنْ يكون الجميع إخواناً، وأن تُستَحكَم روابط المحبّة والاتحاد بين بني البشر، وأنْ تزول الاختلافات الدينية وتُمحى الفروق العِرقية؟ ...ولا بدّ من حصول هذا كلّه، فستنقضي هذه الحروب المدمرة والمشاحنات العقيمة وسيأتي الصلح الأعظم..."
وُلد حضرة بهاء الله في بلاد فارس في القرن التاسع عشر في أسرة عريقة مرموقة الجانب، وكان من البديهي أنْ يجد نفسه في بُحبوحة من العيش وقسط وافر من الثراء. إلاّ أنّه ومنذ زمن مبكّر لم يُبدِ اهتماماً بالسير على خُطى والده والدخول إلى بلاط الشاه، مُؤثِراً أن يصرف جُلّ وقته وإمكاناته في رعاية الفقراء والحدب عليهم. وفيما بعد سُجن حضرة بهاء الله وتم نفيه نتيجة اعترافه بدين حضرة الباب الذي قام يبشّر بدعوته عام ١٨٤٤ في بلاد فارس، وهو الذي كان مُقدّراً له أنْ يحقّق ما جاء به الإسلام من الوعود والنبوءات.
أشار حضرة الباب في آثاره إلى قرب مجيء الموعود الذي بشّرتْ به الأديان العالمية كلّها، فكان أنْ أعلن حضرة بهاء الله بأنَّه ذلك الموعود المنتظر، فخصّ العصر الذي شهد مجيء رسالته بهذا التمجيد والثناء: "إن هذا اليوم هو سلطان الأيّام جميعها، إنّه يوم ظهر فيه محبوب العالم، ومقصود العالمين منذ أزل الآزال." وفي مناسبة أخرى يضيف قائلاً: "قل إنيّ أنا المذكور بلسان الإشعيا وزُيّنَ باسمي التوراة والإنجيل." أمّا في حقّ نفسه فقد صرح مؤكدا: "إنَّ قلم القدس قد كتب على جبيني الأبيض بنور مبين أنْ يا ملأ الأرض وسكان السماء هذا لهو محبوبكم بالحقّ وهو الذي ما رأت عين الإبداع شبهه والذي بجماله قرّت عين الله الآمر المقتدر العزيز."
وأَما بخصوص رسالته فقد قال:
"فلمّا انقلبت الأكوان وأهلها والأرض وما عليها كادت أَنْ تنقطع نسمات اسمك السبحان عن الأشطار وتَركُد أرياح رحمتك عن الأقطار. أقمتَني بقدرتك بين عبادك وأمرتني باظهار سلطنتك بين بريّتك. قمتُ بحولك وقوّتك بين خلقك وناديتُ الكلّ إلى نفسك، وبشّرتُ كلَّ العباد بألطافك ومواهبك ودعوتُهم إلى هذا البحر الذي كلُّ قطرة منه تنادي بأعلى النداء بين الأرض والسماء بأنه محيي العالمين ومُبعِثُ العالمين ومعبود العالمين ومحبوب العارفين ومقصود المقرَّبين."
وعَرَفَ حضرة بهاء الله أول ما عرف تباشير الظهور الإلهي أثناء الفترة الأولى في السجن، فوصف تجربته تلك بهذه الكلمات:
"وبالرّغم من أنّ النوم كان عزيز المنال من وَطْأة السلاسل والروائح المنتنة حين كنت رهين سجن أرض الطاء [طهران] إلاّ أَنَّني كنت في هَجَعاتي اليسيرة أُحسّ كأنّ شيئاً يتدفق من أعلى رأسي وينحدر على صدري كأنّه النهر العظيم ينحدر من قُلَّة جبل باذخ رفيع إلى الأرض فتلتهب جميع الأعضاء. في ذلك الحين كان اللّسان يرتّل ما لا يقوى على الإصغاء إليه أحد."
وخلال السنوات الطويلة التي قضاها في السجن أنزل حضرة بهاء الله من الآيات الإلهيّة ما يقع في أكثر من مائة سِفْرٍ مجلّد. فأفاض علينا قلمه المبارك مجموعة من الألواح والبيانات احتوت الكتابات الصوفية، والتعاليم الاجتماعية والأخلاقية، والأوامر والأحكام، بالإضافة إلى إعلانٍ واضح صريح لا لبس فيه عن رسالته وَجَّهَه إلى الملوك ورؤساء الدول وحكامها في العالم، بمن فيهم نابليون الثالث، والملكة فكتوريا، والبابا بيوس التاسع، والشاه الفارسي، والقيصر الألماني ويلهلم الأول، والامبراطور فرانسس جوزيف النمساوي، وآخرون.
إنَّ مفهوم الطبيعة الإنسانيّة في رسالة حضرة بهاء الله يقوم على التأكيد على كرامة الإنسان وما فُطر عليه من خُلُقٍ نبيل. وفي أحد آثاره المباركة يخاطب حضرة بهاء الله الإنسان بلسان الحقّ فيذكّره بمنشأه ومنتهاه: "يا ابن الروح! خلقتك عالياً، جعلتَ نفسك دانية، فاصعد إلى ما خُلقتَ له." ويصرّح في موضع آخر: "انظر إلى الإنسان بمثابة منجمٍ يحوي أحجاراً كريمة، تخرج بالتربية جواهره إلى عَرَصة الشهود وينتفع بها العالم الإنسانيّ." ويعود حضرة بهاء الله فيؤكد بأنَّ كلّ إنسان قادرٌ على الإيمان بالله، وكل ما هو مطلوب قَدرٌ من التجرد والانقطاع.
"وإذا ما تَطَهّر مشام الروح من زُكام الكون والإمكان، لوجد السالك حتماً رائحة المحبوب من منازلَ بعيدة، ولَوَرَدَ من أثر تلك الرائحة إلى مصر الإيقان لحضرة المنّان وليشاهد بدائع حكمة الحضرة السبحانية في تلك المدينة الروحانية... وأما تلك المدينة فهي الكتب الإلهيّة في كل عهد... وفي هذه المدائن مخزونُ ومكنونُ الهدايةِ والعنايةِ، والعلمِ والمعرفةِ، والإيمانِ والإيقانِ لكل من في السّموات والأَرضين..."
وقد وصف حضرة عبد البهاء، الإبن الأَرشد لحضرة بهاء الله ومركز عهده وميثاقه، رسالة والده بهذه الكلمات:
"تحمّل حضرة بهاء الله جميع البلايا حتى تتحوّلَ النفوس لتصبح نفوساً سماوية، وتتحلّى بالأخلاق الرحمانية، وتسعى لتحقيق الصلح الأَكبر، لتؤيَّدَ بنفثات الروح القُدُس، فتظهر الودائع الإلهيّة المخزونة في الحقيقة الإنسانيّة، وتصبح النفوس البشرية مظاهر الأَلطاف الإلهيّة، ويتحقق ما جاء في التوراة بأنَّ الإنسان قد خلق على مثال الله وصورته. خُلاصة القول بأنَّ تَحَمُّل حضرة بهاء الله لهذه البلايا ما كان إلاّ لكي تستنير القلوب بنور الله، ويُعوَّض عن النقص بالكمال، ويُستعاض عن الجهل بالحكمة والمعرفة، ويكتسب البشر الفضائل الرحمانية، ويرتقي كل ما كان أرضياً ليجد سبيله في الملكوت السماوي، ويغتني كل ما كان فقيراً ليجد عزّته أيضاً في كنوز الملكوت السماوي."
صَعِدَ حضرة بهاء الله إلى الملكوت الأَعلى عام ١٨٩٢، وهو لا يزال سجيناً في فلسطين. وبعد مضي مائة عام على صعوده احتفلت الجامعة البهائية العالمية في عام ١٩٩٢ بالسّنة المقدسة تخليداً لتلك الذكرى المئوية المباركة. ففي شهر أيار (مايو) من ذلك العام اجتمعت في الأراضي المقدسة وفي رحاب ضريحه الطاهر وفود حافلة من آلاف البهائيين يمثلون ما يزيد على مئتي بلد ومنطقة، تعبيراً عن ولائهم له وتعظيماً لقدْره، وتبع ذلك في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) من العام نفسه مؤتمر حافل في مدينة نيويورك حضره ما يقرُبُ من سبعة وعشرين ألفاً من أَتباعه. فاحتفل هؤلاء في جو من الإجلال والبهجة بذكرى إعلان حضرة بهاء الله لميثاقه المتين الذي صانَ وحدة صف المؤمنين منذ بزوغ فجر الدعوة الكريمة. كما صدر خلال ذلك العام المتميز "بيان" خاص كان الهدف منه تعريف الناس في كل مكان بسيرة حضرة بهاء الله وفحوى رسالته السمحاء.
ويجدُر بكل من أراد أنْ يزداد معرفة برسالة حضرة بهاء الله وسيرته الطاهرة، أَنْ يتمعّن في آثاره المباركة من الدعاء والمناجاة، وأنْ يتحرّى حقيقة الدعوة التي نادى بها، وإِعلانه الكريم بأَنَّه "موعود كل الأزمنة." وعليه أخيراً أنْ يفكر ملياً في وَعْده المستقبلي حين يقول "ستنقضي هذه الحروب المدمّرة والمشاحنات العقيمة وسيأتي الصّلح الأعظم."


الدين البهائي

ينتشر البهائيون اليوم في أكثر من مئتين وخمسة وثلاثين بلداً، وهم يمثّـلون أصولاً دينية مختلفة وينتمون إلى أجناس وأعراق وشعوب وقبائل وجنسيات متعددة. أما الدين البهائي فمعترف به رسمياً في العديد من الدول، ومُمثّـل تمثيلاً غير حكومي في هيئة الأمم المتحدة والأوساط الدولية العلمية والاقتصادية.
والبهائيون على اختلاف أصولهم يُصدِّقونَ بما بين أيديهم من الكتب السماوية، يؤمنون بالرسالات السابقة دونما تفريق، ويعتقدون بأن رسالة حضرة بهاء الله - أسوة بغيرها من الرسالات السماوية - لا تمثّـل سوى مرحلة من المراحل المتعاقبة للتطور الروحي الذي يخضع له المجتمع الإنساني.
إِنَّ الدين البهائي دين عالمي مستقل كل الاستقلال عن أي دين آخر. وهو ليس طريقة من الطرق الصوفية، ولا مزيجاً مقتبساً من مبادئ الأديان المختلفة أو شرائعها، كما إنَّه ليس شُعبة من شعب الدين الاسلامي أو المسيحي أو اليهودي. وليس هو إحياء لأي مذهب عقائدي قديم. بل للدين البهائي كتبه المُنزلة، وشرائعه الخاصة، ونظمه الإدارية، وأماكنه المقدسة. أما رسالته الحضارية الموجهة إلى هذا العصر فتتلخص في المبادئ الروحية والاجتماعية التي نصّ عليها لتحقيق نظام عالمي جديد يسوده السلام العام وتنصهر فيه أمم العالم وشعوبه في اتحاد يضمن لجميع أفراد الجنس البشري العدل والرفاهية والاستقرار ويُشيّد حضارة إنسانية دائمة التقدم في ظل هداية إِلهية مستمرة.
يحثّ الدين البهائي أتباعه على الإيمان بالله الواحد الذي لا شريك له، ويعترف بوحدة الرسل والأنبياء دون استثناء، ويؤكد وحدة الجنس البشري، ويفرض على كل مؤمنٍ التخلي عن كل لون من ألوان التعصب والخرافات، ويجزم بأن هدف كل دين هو إشاعة الألفة والوئام، ويعتبر اتفاق الدين والعلم أمراً جوهرياً وعاملاً من أهم العوامل التي تمنح المجتمع البشري السكينة والاطمئنان وتحمله على التقدم والعمران. ولعل من أهم المبادئ التي ينادي بها الدين البهائي مبدأ المساواة في الحقوق بين البشر بما في ذلك المساواة بين الرجل والمرأة، فضلاً عن مبدأ التعليم الإجباري وتوفير الإمكانات لخلق مناخ اجتماعي سليم، فيأمر أتباعه بإزالة الهوّة السحيقة بين الفقراء والأغنياء، ويقضي بعدم تعدد الزوجات، ويُقدّس الكيان العائلي معتبراً الأسرة أساس بناء المجتمع الإنساني الصالح. ويمنع الدين البهائي أتباعه من الاشتغال بالأمور السياسية والحزبية ويشجعهم على الولاء والصدق والصفاء في علاقاتهم مع حكوماتهم وعلى خدمة أوطانهم ورفع شأن مواطنيهم. ولا تَدَع الكتب البهائية مجالاً للشك في أن حضرة بهاء الله سنّ لأتباعه منهجاً للسلوك ونمطاً للتعامل الشريف، فأكد أنّ الحياة الخاصة للفرد مقياس دقيق لإيمانه، ففرض على أتباعه طهارة القول والفكر والعمل، عفّةً وأمانةً وصدقاً وولاءً ونزاهةً ونقاوةً وكرماً، وأمرهم بكل معروف، ونهاهم عن كل منكر. يقول حضرة بهاء الله:
"قل يا قوم دعوا الرذائل وخُذوا الفضائل، كونوا قدوةً حسنةً بين الناس، وصحيفةً يتذكّر بها الأُناس ... كونوا في الطرْف عفيفاً، وفي اليد أميناً، وفي اللسان صادقاً، وفي القلب متذكراً..."
"كن في النعمة مُنفقاً، وفي فقدها شاكراً، وفي الحقوق أميناً ... وفي الوعد وفيّاً، وفي الأمور منصفاً ... [وكن] للمهموم فَرَجاً، وللظمآن بحراً، وللمكروب ملجأ وللمظلوم ناصراً، ... وللغريب وطناً، وللمريض شفاءً، وللمستجير حصناً، وللضرير بصراً، ولمن ضلّ صراطاً، ولوجه الصدق جمالاً، ولهيكل الأمانة طرازاً، ولبيت الأخلاق عرشاً..."



#راندا_شوقى_الحمامصى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وثيقة ازدهار الجنس البشرى -المقال الثانى
- رسالة إلى قادة الأديان فى العالم
- ازدهار الجنس البشرى-الجزء الأول
- رقيّ العصر الحاضر
- يوم جديد وحضارة جديدة ونهار لا يعقبه ليل
- يوم جديد ونور شديد وحضارة جديدة ونهار لا يعقبه ليل
- عالم واحد والبشر سكانه
- الوحدة
- البهائية والبحث عن الحقيقة
- وحدة العالم الإنسانيّ
- نداء وحدة العالم الإنسانيّ
- الدين سبب اتحاد العالم
- عالم الوجود محتاج إلى الرّوح وروحه هو الدّين الإلهيّ
- لا نهاية للفضل الإلهيّ
- العلم ووحدة العالم الإنسانى
- صوت السّلام العامّ
- صبح الصّلح الأكبر
- المبادئ الرئيسية فى الدين والعقيدة البهائية
- العصر البديع قادم
- عصر بديع قادم


المزيد.....




- -المقاومة الإسلامية في العراق-: استهدفنا هدفا حيويا في إيلات ...
- -المقاومة الإسلامية في العراق-: استهدفنا هدفا حيويا في إيلات ...
- متى موعد عيد الأضحى 2024/1445؟ وكم عدد أيام الإجازة في الدول ...
- تصريحات جديدة لقائد حرس الثورة الاسلامية حول عملية -الوعد ال ...
- أبرز سيناتور يهودي بالكونغرس يطالب بمعاقبة طلاب جامعة كولومب ...
- هجوم -حارق- على أقدم معبد يهودي في بولندا
- مع بدء الانتخابات.. المسلمون في المدينة المقدسة بالهند قلقون ...
- “سلى أطفالك واتخلص من زنهم” استقبل دلوقتي تردد قناة طيور الج ...
- جونسون يتعهد بـ-حماية الطلاب اليهود- ويتهم بايدن بالتهرب من ...
- كيف أصبحت شوارع الولايات المتحدة مليئة بكارهي اليهود؟


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - راندا شوقى الحمامصى - تاريخ الأديان